الاثنين، 31 ديسمبر 2012

كل شيء مؤقت...



تيقنت من عدة أمور هذا العام

كلّ شيء مؤقت، كلّ شعور يصيبنا ويتملّك حواسنا ويدفعنا للأمام أو الوراء أو يثبت أقدامنا بمسامير في أماكنها مؤقت، الفرح مؤقت، الغضب مؤقت، الحب مؤقت، النصر مؤقت، والهزيمة مؤقتة أيضاً، الرغبة والشغف مؤقتان، وفقدان الرغبة والاندفاع كذلك..
ربما الحزن وحده له صفة الخلود، يضرب جذوره في الروح فلا يموت إلّا إذا جفّت تربتها، لذا "وحده" يعوّل عليه...

كلّ شخص في حياتنا عابر، عابر لسبب ما، لرسالة يريد أن يوصلها لنا، لمكان يجب عليه أن يأخذنا أو يدفعنا للوصول إليه، لشعور يتحتم عليه أن يتشاركه معنا أو يسلبنا إياه، لدرس عليه أن يلقنه لنا أو علينا أن نلقنه له، لامتحان، أو لتقييم أدائنا في الحياة حتى هذه اللحظة، أو لتحدّي مستوى الأداء، لبركة أو نعمة مجهولة ما، أو لنقمة أو لعنة لا تفسير واضح لها، لإشارة أو عبارة أو نصيحة ما وأحياناً ببساطة لكنس شرفة وحدتنا من الأشباح...
لكننا آخر الأمر نعود لنبقى وحدنا، ليس لنا سوى هذا الجسد وتلك الروح ولا سلطان لنا سوى عليهما بضعفهما وقوتهما المفاجئة في بعض الأحيان!

هذا العام، علّمني أنّ ليس ثمة داع للندم على أيّ شيء، وأنّ كلّ لحظة جديدة حبلى بما يستحق الاحتفال والتمعّن والتأمل بمعناه...وأنّ هذه الحياة أقصر من أن نعقّدها ونحاصرها بالقيود والتوقعات، وأنّنا آخر الأمر شاء من شاء متساوون في نهاية قصّتنا، ومتساوون في المجاملات البائسة التي ستلقى فوق شواهد أضرحتنا، ومتساوون في هشاشتنا...

بلا توقعات سأمضي إلى العام القادم، خفيفة من ثقل الافتراضات، حرّة من الأوهام والأحلام، بيدين مفتوحتين لتلّقي هبات الحياة القادمة وتجاربها الجديدة ودروسها الصعبة والممتعة ومداعباتها القاسية في كثير من الأحيان دون شروط ولا ممانعة، برغبة في التعلّم فقط والمغامرة والتلصّص على الممنوع والإحساس بكلّ شيء من أقصى اللذة إلى أقصى الألم ومشاركة التجربة مع الكون من حولي، قطفها، وفرطها، وتشميسها حتى يتركز سكرها وتنشط خميرتها، ثم عصرها حبّة حبّة، وملئها في قناني مخبئة في أقبية الروح، وتعتيقها عاماً بعد عام، حتى إذا حان موعد صبّها، تنعش القلوب بخمرها الجيّد!

توما
29-12-2012

...تبقى لك...



تبقى لك من رصيد هذا العام ثمان ساعات وتسع وثلاثون دقيقة وثوان ثلاث، لتحقق ما رددته بين نفسك ونفسك طوال هذا العام..لتقول لفتاة ما أنك أحببتها سراً يوماً بعد يوم من أول كانون الثاني إلى آخر كانون الأول، لكنك خنت نفسك لتنتصر لكبريائك... أو لتتسلق شجرة تطلّ على أحد أحلامك، أو لتخبىء خفية حدثك المفضل هذا العام في حقيبة سفرك إلى العام القادم، لتكتب آخر صفحة في كتاب تؤلفه، لتقول يعجبني هذا العام أو لا يعجبني!

لتتعلم كيف تقول "تصبح على خير، أحلاماً سعيدة" أو أيّ عبارة أخرى بلغة جديدة، لتزور مكاناً مقدساً تترك على عتبته خطاياك، لتعتذر لأخيك أنك لم تسامحه مجدداً على أنه لم يكن أخاً بما يكفي لك، لتقبل وجنة أمك أو أبيك أو أيّ شخص آخر منحك صلة ما بالحياة،لتحتسي فنجان قهوة مع صديق كنت كلما خاطبته على الهاتف ترتب موعداً للقاءه وتخلف كلّ مرة الموعد بحجج واهية...

لتحقق رقماً جديداً من الكيلومترات التي تستطيع أن تقطعها على دراجتك أو عدداً جديداً من الدرجات التي تصعدها على قدميك رغم لهاثك وانقطاع نفسك، لتتدرب على ابتسامتك وتحيتك الصباحية للعام القادم، لتزرع نبتة جديدة على شرفتك، وتبكي رحيل من لم تعتد رحيله بعد، لتمشي على طريق لم تمش عليه مسبقاً مستسلماً لضياع يأخذك حيث يحلو له أن يأخذك، لتغفو قيلولتك الأخيرة بعد الظهر، لتسجل خاطرتك الأخيرة هذا العام وتكتب تحتها التاريخ 31-12-2012.

أمامك بضع ساعات فقط، لكي لا تؤجل عاماً كاملاً ما أردت أن تنجزه قبل نهاية هذا العام!

توما
31-12-2012

الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

...لا شيء يشغلني...



لا شيء على بالي آخر هذا اليوم..
لا أخبار الموت في كلّ مكان، 
لا رائحة الدم..
لا آلام قلبي المزمنة..
لا آمال غدّ قد لا يأتي..

لا شيء يشغلني..
لا وجه..لا رائحة..
لا شهوة عابرة..
لا قلق..لا أرق..
لا أشباح الذاكرة..

لا شيء يشغلني،
سوى لحن أغنية
سمعتها مصادفة على الراديو،
فأعجبتني،
لكنّي نسيت كلماتها!

توما
19-12-2012

الاثنين، 17 ديسمبر 2012

رقصة تانغو على الورق...




لا أسمع الحديث الدائر بين عينيك وعيني، لكني أحسّ بوهج الحرارة في المسافة بينهما، كلّ على طاولة، في الجهة المقابلة، لا تقترب، لا أقترب، ولا ينتبه أحد من الحضور لكلّ الصخب الذي تثيره أصابعك فييّ وهي تدقّ لحناً مألوفاً على زجاج كأسك!
شمعتان مضيئتان في عتمة القاعة، تصغيان بخشوع لصوت أجراس قادم من بعيد وأوركسترا غيوم تعزف بصمت على سلم السماء، وتحترقان على مهل، لتضيئا أكثر..
لا أحد يراك إذ تمرر يدك اليمنى تحت إبطي الأيسر وتلفّ بها أعلى ظهري، ثم تشبك أصابع يدك اليسرى بأصابع يدي اليمنى، وتقود خطوي على وقع خطوك، وتوشوشني قبلتين على الخدّين، وتزيدني عناقاً، فأتمرّد، وأنقر بكعبي العالي صفحتك البيضاء، وأترك لك هناك حبراً وخربشات طفولية!
لا أحد يراني، إذ أتسلق صدرك، وأغرز على شفاهك طعم شفاهي.
ولا أحد يسمع، صوت البيانو ما بيننا يعلو يرافقه تشيلو، وكمان...
كلّ على طاولة في الجهة المقابلة، ملتحمان، ليس لنسمة هواء باردة أن تمر بين جسدينا، ليس لسيف سوى أن يقطعنا إلى نصفين إن أراد العبور!
رقصة تانغو على الورق..هذا كل ما بيننا، وقبلتين وعناق...

توما
18-12-2012

السبت، 24 نوفمبر 2012

...صوّريني...



"صوّرتيني؟صوّرتيني؟فرجيني الصورة!" تلحّ المرأة العجوز عليّ.
أهزّ رأسي بالإيجاب، وأقرّب الكاميرا منها كي ترى الصورة.
تحدّق في الكاميرا، تدور عيناها في كلّ الاتجاهات كأنها تبحث عن شيء ما.
ينحني رأسها، يتحول إلى علامة استفهام كبيرة.
ثم تدفع الكاميرا بعيداً عنها، وتنظر نحوي،
"إنتي كذابة، كذابة إنتي، ما صوّرتيني، ما صوّرتيني!"
تتضاعف تجعيدات وجهها، وتسيل دموعها على وجنتيها في أنفاق حفرها الزمان بعناية على خدّيها، تمدّ يدها إلى جانب السرير، وتشير إلى صورة داخل إطار.
أمدّ يدي، أحمل الإطار الخشبيّ الأنيق، وأتأمل الصبيّة الحسناء التي يلّف خصرها النحيف شاب جميل المحيا، أمرّ بعيني على شعرها الأسود الطويل المنهمر على كتفيها، على خطّ الكحل الغامق حول عينيها، على الأهداب المرتبة الطويلة الفاتنة، على الفستان القصير الذي يتماهى مع تضاريس جسدها، على السيقان البيضاء الرفيعة، والكعب العالي الأنيق، وأكاد أسمع صوت موسيقى يونانيّة تخرج من أبيض وأسود الصورة العتيقة!
"ماشاءالله كنت كتير حلوة وإنتي صغيرة،" أقول.
لكنني سرعان ما أستدرك "بس هلأ طبعاً أحلى!"
أعيد الصورة إلى مكانها، تصيح العجوز بي: "زيحيها، زيحيها هاي كمان، أنا مو هاي!"
لا أفهم، لكنني أبعد الصورة من جانبها وأقلبها على وجهها.
تشير لي العجوز مجدّداً: "يلا ما بدك تصوّريني؟" وتطلق ضحكة عالية،
"بس هلأ صورّيني عنجد، لا تضحكي عليّ مثل المرة إللي قبلها!" وتهزّ سبّابتها محذّرة.
أبتلع ريقي من الفزع، أحمل الكاميرا بيدي المرتبكتين، وأضغط الزر مرة تلو الأخرى، تلو الأخرى، تلو الأخرى...
وفي كلّ مرة، أقول للعجوز:
"لأ هاي ما طلعت حلوة، خلينا نعيدها.."
أو،
"مغمضة، فتحيلي عينيكي منيح وأعطيني ابتسامة يلا!"
أو،
"الشمس طالعة بنص عينك، خليني أسكر الستارة أول.."
حتى فرغت بطارية الكاميرا وانطفأت، فاعتذرت منها، وتملّصت من الورطة بوعد كاذب بالعودة غداً لجلسة تصوير جديدة وعدتني أنها ستتبرج من أجلها، وتضع حول عنقها عقدها اللؤلؤي الذي جلبه لها زوجها في ذكرى زواجهما الأسبوع الماضي من باريس.
كان زوجها قد توفي قبل عشر سنوات على الأقل، لكنه رغم ذلك لم يخلف موعده يوماً، وكان يأتي ليزورها كل مساء ويبقى طوال الليل إلى جانبها لأنها كانت تخشى النوم وحدها في السرير.
أعود إلى البيت، أرمي نفسي على السرير، أمرّر أصابعي على وجهي واحداً واحداً، أقول لها، "احفظيه، احفظيه!"
"أريد عشر نسخ منه، عشر نسخ على الأقل كي لا تضيع ملامح النسخة الأصلية..ما أقسى أن تفقد الذاكرة وجهها...".

توما
24-11-2012
  

الأحد، 11 نوفمبر 2012

...برك وحل، فقط!...




  
الحقيقة أنني منذ مدة قاطعت الموت على شاشات الأخبار الحمراء، وقررت أن أغمس عقلي وجسدي في تفاصيل الأيام الصغيرة، التفاصيل التافهة السطحية ربما _ الأكثر صدقاً بطريقة ما، لكنني لا أجد مفراً من أن أقلق على سوريا، لا لأجل عيون سوريا أو عيون السوريين بالدرجة الأولى، بل لأنّ لي أصدقاء يرفضون مغادرتها هناك، ويصرّون على البقاء رغم التهديد اليومي والخطر على حياتهم ومستقبلهم، وإذا اختفوا لعدة أيام دون خبر يطمئنني يحاصرني القلق، ويخنقني احتمال فقدان صديق آخر على قوائم القلب!
ولا أقلق على غزة، ولا يجافيني النوم قلقاً عليها، لكنني لم أجد مفراً من معرفة أخبار القصف عليها من ال"ستاتسات" الرنّانة الطنّانة على صفحات الفايسبوك، فما كان يحدث على أرض غزة وسماء غزة سيتكرر حدوثه مجدّداً اليوم وغداً وبعد غد، وفي الفترة التي ستعود الحياة فيها إلى طبيعتها غير الطبيعية في غزة سنكون قد نسينا الأمر، ونسينا العدّ، عدّ الشهداء الذين سقطوا، وفقدنا الذاكرة مجدّداً، فلكي نتذكر غزة، على غزة أن تقصف وتدمر وتتحممّ بالدم عارية على الشاشات علّها تثير انتباهنا، في الوقت الذي ليس على أيّ مغنّ هابط سوى فتح زرّين من قميصه على المسرح ليستحوذ على اهتمام حواسنا!
الواقع، أنّنا ولن أتطرّف في الحكم علينا جميعاً، ففي حزن وقلق وكلمات البعض صدق ما، لكنّ كثيرين منّا (وأنا منهم!)، ليسوا في التقوى بأفضل من مصّوري الفضائح الراكضين، المتسابقين، ليلتقطوا الحدث البشع والمنبوذ والمستهجن في وقت حدوثه، وينالوا سبقاً ما، ويعدّوا لايكاتهم على صفحاتهم الفيسبوكية، وحيواتهم الإلكترونية، فيما تنشغل المدن المنكوبة في عدّ جثثها...
ثمة علاقة طردية بين عدد الجثث وعدد اللايكات دائماً
وثمة علاقة طردية بين تفاهاتنا وكذبنا وسطحيتنا وحجم كلماتنا
وثمة علاقة طردية بين الصوت والصدى الذي يعيد نفسه فقط، ولا ينقل حجراً واحداً من مكانه!
نعم، أنا مجرد فتاة سخيفة، لا تريد إعادة تدوير قدرتها اللغوية في الحديث عن ما لا تعمل لأجل تغييره حقّاً على أرض الواقع...
أنا مجرد فتاة عادية جدّاً، همومها صغيرة، وأنانيّة، ولا يقلقها حقّاً ولا يحزنها حقّاً سوى أنّ كلّ هذا المطر يهطل في الخارج ويرتطم بالإسفلت ويصير برك وحل كبيرة، برك وحل فقط...
تماماً كما يهطل الحبّ في قلبها، ويرتطم بجفائك، ويصير برك وهم كبيرة، برك وهم فقط!

توما
11-11-2012


السبت، 3 نوفمبر 2012

...أجنحة من هواء...


ترسم على وجهها ابتسامة عريضة، تلقي على الطالبات التحية. هالة من الثقة بالذات والاندفاع والشغف تضيء حولها، رغم الرهبة التي تنشر عتمتها في داخلها والتردد وعلامات الاستفهام التي تحاصرها حول ماذا كانت تفعل بالتحديد هناك!
تحدثهن عن المستقبل، عن الأحلام، تقول لهن أشياء عن الثقة بالنفس، والطموح، والإصرار، والإيمان بالغد، وأن العمل والمثابرة أساس الوصول إلى ما نريد الوصول إليه، وتلقي على مسامعهن ترهات أخرى عن مدينة فاضلة، ومجتمع مثالي، وعالم عادل ينتظرهن بذراعين مفتوحتين وسيتنحى ليفسح لهن الطريق ما إن يخترن طريقهن...
لا تقول لهن أن العالم عبارة عن فوضى عارمة، وأنّ الحقيقة بالمقلوب، وأنّ المجتمع الذي ينتظرهن غير مهتم بأفكارهن، ولا بأحلامهن، قدر اهتمامه بنسبهن، وطبقتهن الاجتماعية، والمستوى الاقتصادي اللذي ينتمين له،  ثم بتضاريسهن الجسدية ومنسوب سذاجتهن في ضوء قدرته على استغلالهن سواء على مستوى الإمتاع البصري أو السمعي أو الحسّي المباشر!
لاتقول لهن، أنّ عليهن ألّا يبالغن بطموحاتهن، وألّا يجمحن بأحلامهن، وتسقط من اللغة الأمثال التي تقول "على قد لحافك مد رجليك" و "إللي معوش ما بلزموش" و "إرضى بالنصيب"، وتتجنب استعمال كلمات مثل "ساوم" أو "تسوية" أو "تنازل" في جمل مفيدة أو غير مفيدة!
بكلّ عدم إحساس بالمسؤولية، تقول لهن "احلمن! وتوغلن في أحلامكن!"...
بلا ذرة ضمير واحدة تخبرهن أنهن سيصلن لما يردن الوصول إليه إذا أقنعوا أنفسهن بذلك..تقول لهن: "آمنوا فقط..."
مجرد فتيات صغيرات، لا يحملن في جيوبهن أكثر من مصروف المدرسة الشحيح، أو الهواء بدلاً عنه في ذلك اليوم.
هكذا، بكلّ تصميم، تكمل تنفيذ جريمتها، تضع لهن أجنحة من هواء، وترحل!
أجنحة، ستتكسر...

توما
3-11-2012

الخميس، 25 أكتوبر 2012

...بسمة...




لست مغرورة، ربما بعض الشيء فقط، لكنني لست شخصاً متعالياً لدرجة لا تطاق، كلّ ما في الأمر أنّي صعبة المراس أحياناً، وأنّي إذ أقسو، لا أقسو على أحد سواي، وإذ أفعل ذلك، فأنا أقسو كثيراً عليّ، إلى أن تصاب نفسي بالذعر، وبالحزن العميق، ويفترسها الغضب، الغضب على ذاتها، ذاتها فقط، فيختفي الضوء الذي كان في عينيها، ويحلّ مكانه فراغ، هوة سحيقة سوداء، تبتلع حتى الصوت، فلا ترجع أيّ صدى!
**************************************
كبرت، كبرت كثيراً يا أمي..وكبرت أنت أيضاً...
تأتين، تجلسين على طرف سريري، أخبىء وجهي تحت اللحاف، مدعيّة نوماً عميقاً لا ينفقأ، ومخفية دموعاً تسيل على وجنتيّ.. لكنّك أنت التي يحرقك خدّاك قبل أن تسيل دموعي على خديّ، تعلمين، تشعرين أيّ مرارة تعشّش في قلبي...
كبرت يا أمي، كبرت، وصرت فتاة ناضجة قادرة على حلّ مشاكلها بنفسها، قادرة على حمل صليب حزنها وحدها..كبرت، وصرت أخجل أن أرمي رأسي في حضنك، أن أتسللّ إلى فراشك، أن أبكي على صدرك، أن أقول لك أنّي حزينة، حزينة جداً، وأنّ قلقك الذي لا يهدأ عليّ ليس بدون مبرّر...
كبرت، وصرت أخجل أن أقول لك أنّي أحتاجك، أحتاجك جدّاً، أحتاج أن تأتي لتجلسي على طرف سريري كما كنت تفعلين دائماً في صغري ومراهقتي، ثم تطوقينني بذراعيك، فيعود الدفء لهذا العالم فجأة، وفجأة، تستعيد الحياة معناها!
كبرت، وصرت مغرورة جداً، ولي كبرياء وكلمات أخرى لا أفهم حقّاً معناها، ولا أفهم حقّاً كيف لها أن تجعل منّي شخصاً أفضل، أو أقوى، أو أصلب...
أمي، أنا لا أريد أن أصبح شخصاً أقوى، ولا أريد أن أصبح شخصاً أصلب..باردة تلك الكلمات، باردة كالجثث في ثلاجة المشرحة، بلا روح، لا تنزّ دماً إذ تجرح، ولا تشدّ يدها على يدي إذ أضغط بأصابعي لأواسي وحدتها، ولا تتحرك لتبعد ناموسة استباحت وجهها، ولا تهلع إذ يسقط شاب يافع على رأسه مغمىً عليه إذ يطلب منه التعرّف على هويتها!
*************************************
مغرورة أنا يا أمي، وكاذبة جداً، إذ أدّعي أنّي لا أشاركك همومي كي لا أجلب صداعاً إضافياً لرأسك..كي لا أضيف كآبة أخرى لسلسلة كآباتك، فأنا أعلم تماماً، أنّك تجسّين كلّ وجع يطرق نوافذ صدري ليلاً ونهاراً، وأن الطرق المستمر هو سبب أرقك المزمن الذي لا يشفى بحبّة دواء وكوب حليب ساخن في المساء.
لكنّي، كما قلت لك، فتاة ناضجة، تكاد تكمل عامها الثلاثين، وفي الثلاثين يا أمي، لا يعود هناك متسع للشكوى من خيبة جديدة، ولا وقت نضيعه في التحسّر على تجربة فشلنا فيها، أو على مبارزة خسرناها في ميدان الحياة..علينا أن نشدّ على جرحنا ونمضي، أن نقف وننفض الغبار عن ملابسنا، ونتجاهل ألم الكدمات التي أصبنا بها، أن نبتسم ابتسامة عريضة، ابتسامة من لم يعرف سوى النصر ، ابتسامة المتعاطف مع المهزومين، ابتسامة التعالي والمكابرة، ابتسامة من لا يحتاج شيئاً من أحد، ونواصل الطريق كأنّ من سقط كان غيرنا، كأنّ الجرح يخصّ سوانا!
***************************************
أمي، اليوم أكتب لك، لا ليس كما في صغري، لا ليس كما تحبيّن، كلمات تذيب القلب من حلاوتها، شعراً يتغزّل في طهارة قلبك، وحنو يديك، وتواضع روحك، وجمال محياك، وعمق عينيك..اليوم أكتب لك، عن غضبي منك، ومني، ومن هذه المسافة التي لا تختصرها الكلمات بيننا..!
***************************************
كم أشبهك، وكم يستفزني ذاك الشبه، وترعبني مجرد فكرة أني سأكبر لأصير نسخة أخرى منك..
أنا أضعف من ذاك الحمل أمّاه، ولن أنجح يوماً في احتراف دور القديسة أو الشهيدة، فأنا أشدّ أنانية من ذلك، أقلّ طهارة، والتزاماً، وسحقاً للذات!
ولا، لا أريد أن ينتهي بي الأمر ببذل كلّ وقتي وتفكيري، وجهدي في سبيل أطفال اخترقوا طريقهم عبري، فأحببتهم رغم كلّ ما سببوه لي من ألم، أطفال سيكبروا، ويظنّوا أنهم ما عادوا بحاجتي، أطفال لن يفهموا مهما بلغوا من العمر أنّ سرّتي لا تزال تفتقد الحبال التي كانت بيني وبينهم، أطفال سيتركونني يوماً، وسأتخبّط بعدهم في البحث عن تلك الفتاة التي أضعتها يوماً في ذات المحطّة التي وجدتهم فيها!
أمي، ما كان عليك أن تتركيها، تلك الفتاة، ما كان عليك أن تضيعيها، ولو وجدتنا...
***************************************
تعال لنبحث عنها سوياً، تعال لنكتشف في أيّ حلم ضاعت تلك الصبيّة، من علّمها أن تقول "نعم" للحياة كلّما كان عليها أن تقول "لا"، من أقنعها أنّ الحبّ مرادف للتضحية، التضحية فقط، فسلب من الحبّ أغانيه وفرحه ورقصه واشتعاله وطفولته الدائمة، من بادلها الحياة، حياتها، وخياراتها، وطموحاتها، وأحلامها، بحياة وخيارات وطموحات وأحلام آخرين حملوا ملامحها فقط، ونسوا أن يسألوها إلى أين كانت ترغب هي بالذهاب!
أحقّاً كانت وجهتك وجهتنا؟
أحقّاً كانت أحلامك أحلامنا؟
أحقّاً كنتنا وكنّاك؟
********************************
أمي، أيتّها الغالية...لا تصّدقيني، أنا لم أكبر أبداً، تعالي وطوقيّني، ودعي دمعي يمطر على راحتيك ليتقدّس، واحملي معي قلبي، فأهدأ!
*********************************
أمي، كلّ عام وأنت أجمل، بكلّ تفاصيلك، بكلّ آثار تعب العمر التي تمقتينها وأحبّها، بكلّ الشوق والقلق الذي تحاولين تخبئته في ثنايا روحك كي لا تثقلي علينا بإلحاحك للاطمئنان علينا فتؤول محاولتك للفشل في كلّ مرة، بكلّ التوق والحبّ الذي يحتقن داخل صدرك وينتظر منّا أن نرضعه كما كنّا نفعل صغاراً، فنكابر ببلاهة الكبار وحمقهم ونبقى جائعين إليك وتبقين غارقة بألم الحبّ الذي لم يبذل!
أمي، كلّ عام  وأنت "بسمة" على شفاهنا تضيء، وتكبر ، وتمتدّ لتبعد عنّا كلّ شرّ وكلّ حزن وكلّ داء، وتمسح عن أيامنا التعب بصلواتها، ومسيحها وعذرائها وقديسيها وقديساتها، وبحسب اتفاق مبرم بين كلّ أمّ وأبانا الذي في السماء!

توما
26-10-2012






الأحد، 2 سبتمبر 2012

...قوس قزح...

أحن لعلاقات الطفولة الساذجة، تلك التي كنا نتخاصم فيها ونتصالح بعناق سبابتين حيناً أو خنصرين حيناً آخر..ونتمسك فيها بموقفنا في المحبة أو البغض من الآخرين، رغم كل محاولات الكبار الراشدين في إجبارنا على تغيير مواقفنا أو إعادة النظر في مشاعرنا نحوهم..تلك التي كان الصديق فيها منطقة محرّمة، نحامي عنها كأننا نحامي عن أنفسنا، ونتواطىء معها حتى في الخطأ أحياناً، ونتستر، ونصمت، وقد نكذب أحياناً لأجل أن لا تخدش، أو تجرح من أي كان! وتلك التي كان فيها العدو واضحاً، غير قابل للتأويل، والمشاعر المعادية صريحة لا تسترها أقنعة الرياء، ولا تجد المحاباة لها فيها موقعاً ولا حتى لأجل مكاسب محتملة، أو خوفاً من تبعات 
غير مرغوب فيها...

 أحن لتلك الطهارة، والبراءة، والفطرة والشجاعة في التعامل...  

أحن لتلك المتع الصغيرة، للركض حتى التعب، لتسلق شجرة الكرز في الحديقة، للقفز عن سور الجيران وسرقة ما يمكن سرقته من طوب متناثر لبناء البيت الساكن خيالنا المجنون والذي سيقع على ظهورنا آخر الأمر، ويورطنا في المتاعب مع الأهل، للعبة الغماية، وصياد سمك، ونط الحبلة، وأغاني ريمي بندلي، والأيدي المتسخة بالتراب، والملابس المبقعة بألوان مثلجات "الأسكيمو" الحمراء، وللقصص الخيالية، ولمسلسلات الكرتون التي كان يمكن فيها ل"عدنان" تحقيق المعجزات بإصبع قدمه الكبير فقط من أجل عينيّ "لينا"، وكان يمكن فيها لدمعة على خدّ "ريمي" أو "ساندي بيل" أن تبكينا، ولشهقة في "صاحب الظلّ الطويل" أن تكبت أنفسنا لثوان طويلة، ولعراك في "جزيرة الكنز" أو مغامرة في "السندباد" أن يستحوذا على كامل حواسنا!   

أحن لتلك البساطة...وتلك الرغبة والشغف في ممارسة الحياة، واستنفاذ كل يوم حتى آخر قطرة عسل فيه، حتى آخر شعاع نور، دون توقعات من اليوم الذي يليه...  

أحن لتلك السعادة، لذاك الفرح بكلّ اكتشاف خطير يكشف لنا عن نفسه، بكلّ عطية متواضعة تبدو كأنها أغلى ما في الكون في تلك اللحظة، بكلّ ساعة إضافية ننجح فيها بمماطلة أهلنا لنتأخر في النوم، بكلّ انتصار ساحق على جحر نمل وجدناه مختبئاً تحت صخرة، بكلّ خدش جديد على الركبة او الكوع أو الجبين، بكلّ مرة نعود فيها لبيوتنا مبللّين بالمطر وملوثين بالوحل غير عابئين بالعقاب الذي سينزل علينا من أمهاتنا، بكلّ مرة نفلت فيها من حلّ الواجب المدرسيّ، ومن غضب الجدّ الذي سطونا على شجرة المشمش المفضّلة لديه والتي يعرف تماماً عدد حباتها!  

أحن لحجة مغص الصباح الفاشلة في معظم الأحيان، وللمقالب اليومية لإثارة الذعر في نفس أحد الكبار ومن ثمّ الضحك على سذاجته!

  لعزف بائع شعر البنات، وتفاحات البنّور الحمراء المغطّاة بالسكر، وأكواز الذرة الصفراء المسلوقة في طاسة عميقة، ول"راس العبد"،  ولعروسة اللبنة أو الزيت والزعتر، وللطائرات الورقية، والكرات الزجاجية الملّونة المتفاوتة الأحجام والأسعار بين "الشلن" و"العشر قروش"، و"السحبة" التي تخسر فيها أكثر مما تربح، ولتلك الأيام التي كنّا نلهو فيها أكثر مما تلهو فينا!  

أحن لمهرجان الطفولة الملون كقوس قزح!

توما
3-9-2012    

الثلاثاء، 31 يوليو 2012

...حكايا الشوارع...



كانت الشوارع تنتظر أن يأتي المساء،
 وينتهي أهل المدينة من صخبهم، ومن سهرهم،
 فيأوون إلى بيوتهم،
 ويتركون الساحات خالية سوى
 من بضعة متشردين وصدى ذكريات المارة،
 لتريح رأسها على أكتاف بعضها،
وتسرد الحكايا...
***********************
"ألف امرأة دقت على صدري بكعبها هذا النهار،
 لكنها وحدها مشت حافية القدمين فوقي،
 فأطفأت ألمي نعومة كاحليها.."
يهمس شارع رئيسي لشارع فرعيّ...
*************************
يتأوه عمود الضوء الوحيد المنار في شارع متعرّج،
"لماذا كلما اقتربت مني فراشة..ماتت؟"
*************************
صوت غناء يعلو قادماّ من أولّ طريق غير معبّد،
"سكيّر آخر يترنّح..يتوقفّ ليجرع قطرة العرق الأخيرة..
يتأرجح بجسده أماماً وخلفاً، تخونه قدماه،
يسقط!"
ويستمر الغناء...
*************************
"أين بدايتي؟ أين نهايتي؟ وإلى أين أذهب؟"
يتأملّ شارع شاعر، ويهزّ على جانبيه أزهار الفضول!
**************************
شارعان..عاشقان،
يتبادلان رسائل الحبّ مشفّرة
في أضواء السيارات القليلة العابرة
على جسر بينهما...
شارعان..عاشقان
يدركان جيّداً
أنّ الخطوط المتوازية لا تلتقي!
*************************
"مات متشرّد آخر.."
يسدّ الشارع أنفه، ويهمس صمتاً
كلمات صلاة على روح الميّت..
"ستلحظه القطط، قبل أن يلحظه أحد.."
***************************
يمتدّ جسد شارع من جسد شارع آخر،
ويتماهى الإسفلت في بحر سواده،
تتكدّس القصص زوارق زوارق
تغرق رويداً رويداً في طوفان الضوء القادم
من فجر يتسلل على أطراف أصابعه
مباغتاً الشوارع قبل أن تحظى بإغفاءة سريعة
أو منام قصير عابر...
****************************
توما
31-7-2012

الأربعاء، 25 يوليو 2012

...مجرد أشياء...



لون الدماء
لون السماء ساعة يتسلل النور منها على مهل أو إليها
طعم رغيف الخبز الساخن المخبوز تواً على التنور
صلاة الجدّات
وحضن الأمهات
وابتسامة تفلت من وجه الوالد الصارم المتزّمت!

الحبّ..
ورائحة الهال المنبعثة من كأس شاي
لسعة أقرب أصدقائك
صوت الموت ينادي في الطرقات أسماء ضحاياه
الحنين الجارف لما لا تدري ولما تدري
حيرتك المقدسة أمام تفاحتين، حمراء وخضراء
الياسمين الدمشقيّ يغنّي عطره على أسوار المنازل..

المطر..
حلاوة القهوة المرّة على اللسان، وشهيق السجائر
سلام العيون والأيادي
والعناقات الطويلة في الخفاء
جثث الحيوانات الشاردة المدهوسة على الطرقات
واللاءات لكلّ حلم يطرق بابك باستفزاز...

صوت العود..
والأغنيات الهاربة من أعماق الروح
وتراخي الجسد عن احتراقه بلهب الحياة!
هذه كلها..مجرد أشياء..

أشياء لا يجدر بنا أن نعتادها كأيّ أمر عابر!

توما
26-7-2012


الجمعة، 6 يوليو 2012

...إذ أنسى...



إذ أنسى، تتسلّل الذاكرة من كوة النافذة برشاقة قطة سوداء..
الحبّ مرض مزمن، لكنّه أيضاً طبيب، طبيب يتمتع بحسّ سريريّ ثاقب!
********************************
كان على يدك أن تمرّ على جسدي، لأكتشف مواضع الألم..
وعلى أصابعك أن تنقرا عليّ كدفّ، كي يصحو فيّ الأنين!
********************************
ثمة أحزان صامتة تسكننا، تكبر معنا، تختبىء في الزوايا التي لا ينتبه لها أحد كشباك عنكبوت، تفتك بنا كسرطان خبيث، بهدوء وعلى مهل...
إلى أن نجسّها بأنفسنا مصادفة، أو يجسّها لنا أحد..
********************************
كم جميلاً كان عناقنا ذاك المساء، وكم كان طيّباً معنا القدر، لو أنّه فقط،
بكّر اللقاء قليلاً، أو أنّه فقط أجلّ العناق!
كم جميلاً كان اللقاء!
*******************************
لماذا يتحتمّ على كلّ الأشياء التي نريدها أن تأتي أخيراً، بضع دقائق فقط بعد أن نسأم ونيأس ونغادر صالة الانتظار؟
لنلوم أنفسنا مرتين؟ مرة على إدماننا على الأمل، ومرة على شفائنا منه؟
*******************************
إذ أنسى، تنسى الذاكرة غيمة على السطر الأخير من السماء..
مطر خفيف لا يرى يبلبل الشجر الواقف في طابور الصباح، ويهمس أحرف اسمك!
******************************
قال المعالج النفسيّ: صدمة منذ الطفولة البعيدة، دفنتها في الباحة الخلفية للذكريات كوسيلة دفاع عن النفس، وحاجة للبقاء على قيد الحياة.
قالت الغجرية الجالسة على قارعة الطريق: خوف من قدر استرقت النظر إليه، وألمحه ينتظرني عند كلّ زاوية.
قالت جدّتي: حسد الجارة الناقمة على حظّها العاثر، وعينها الثاقبة!

أنت لم تقل..فقط قرّبتني منك، وعانقتني بحرارة أكبر، وكان صوت الألم يعلو أكثر، وأنا أبتسم، وأبتسم، وأبتسم...
******************************
كأنّ النجوم كلّها اختبأت ليلتها، لتمنحنا خصوصية أكثر، وتخفينا عن أعين الآخرين، الفضوليين، الجائعين لخبز النميمة..
وحدنا، أنا أسكب الدموع، وأنت تشربها عن وجنتيّ، وتقول:
"حرام عليك أن تسكبي خمراً، من يقودني إلى بيتي هذا المساء؟"
******************************
نتحسسّ أطرافنا، نعدّها، خمس أصابع في كلّ يد، وفي كلّ قدم، عينان اثنتان في كلّ وجه، وأنف بنافذتين، شفتان نصف مفتوحتين تنتظران ريقاً آخر، وأذنان تترقبان صوت اليمام يصحو أولّ الفجر...
هكذا في كلّ مرة نعود فيها سالمين من وهم السعادة!
*****************************
"في غيابي، لا تنظري طويلاً لصورتك في المرآة..أغار من المرآة إذ تنظر طويلاً إليك، وأنا لا أستطيع حتى أن أسترق النظر!"
"في غيابك، اترك كفّك في كفّي قبل أن تمضي..لا أحتمل نقصانها نبضاً!"
*****************************
إذ أنسى، تصاب الذاكرة بإنفلونزا، وتؤجلّ الرحيل!

توما
 7-7-2012
  

الخميس، 17 مايو 2012

...دوار...



مباغتاً كقاطع طريق،
يسلب من جيوبنا كلّ قطع الأمان المعدنية،
وأوراق الاستقرار الخضراء والزرقاء والحمراء الزائفة،
يتركنا وسط اللامكان،
عراة من كبريائنا،
تحت شمس لا تساوم على قساوتها!
بلا وسيلة مواصلات تعيدنا من حيث أتينا
أو توصلنا إلى حيث نوينا أول الأمر
مصابين بدوار
وثمة عصافير صغيرة تدور حول رؤوسنا
وتدندن أغنية غير مألوفة
ولسبب غير مفهوم
مصابون بالكثير من الخدوش والكدمات والسعادة...

سعداء بكلّ ذاك الخراب
ومليئين بالأسى!
لأنه لم يتسنى لنا
منح ذاك الغريب
قاطع الطريق
قلادة ذهبية خول العنق،
وخلخال
وقبلة على الجبين
وضّمة وداع...

توما
16-5-2012

الثلاثاء، 15 مايو 2012

...حتى يشفى كتفه...



..أضع رأسي على كتفك أيها الليل
لا أغفو، لا أشكو،
لا أحكي، لا أبكي،
لا أطفىء قمراً،
ولا أصطاد نجمة شاردة..

يتعب كتفك،
لا تتململ، لا تتنهد،
تحضن في صمتك صمتي،
وتؤرجح الأحلام ذهاباً فقط
وتنثر الزبد
على وجه الكلام..

أضع رأسي على كتفك أيها الليل..
لا أغفو، لا أشكو،
لكني أرجو
أن تترك كتفك تحت رأسي
حتى يشفى كتفه..
تراها ليلة واحدة تكفي،
ليلتان،
ليخفّف الشوق ألمه،
ويضّمد الفراق عتبه،
ويعيد الزمان ترتيب المكان
فيصير البعيد أقرب؟
والمستحيل أقلّ استحالة؟
وما ليس ممكناً،
ممكناً،
ممكناً،
ممكناً؟

توما
16-5-2012