الثلاثاء، 31 يوليو 2012

...حكايا الشوارع...



كانت الشوارع تنتظر أن يأتي المساء،
 وينتهي أهل المدينة من صخبهم، ومن سهرهم،
 فيأوون إلى بيوتهم،
 ويتركون الساحات خالية سوى
 من بضعة متشردين وصدى ذكريات المارة،
 لتريح رأسها على أكتاف بعضها،
وتسرد الحكايا...
***********************
"ألف امرأة دقت على صدري بكعبها هذا النهار،
 لكنها وحدها مشت حافية القدمين فوقي،
 فأطفأت ألمي نعومة كاحليها.."
يهمس شارع رئيسي لشارع فرعيّ...
*************************
يتأوه عمود الضوء الوحيد المنار في شارع متعرّج،
"لماذا كلما اقتربت مني فراشة..ماتت؟"
*************************
صوت غناء يعلو قادماّ من أولّ طريق غير معبّد،
"سكيّر آخر يترنّح..يتوقفّ ليجرع قطرة العرق الأخيرة..
يتأرجح بجسده أماماً وخلفاً، تخونه قدماه،
يسقط!"
ويستمر الغناء...
*************************
"أين بدايتي؟ أين نهايتي؟ وإلى أين أذهب؟"
يتأملّ شارع شاعر، ويهزّ على جانبيه أزهار الفضول!
**************************
شارعان..عاشقان،
يتبادلان رسائل الحبّ مشفّرة
في أضواء السيارات القليلة العابرة
على جسر بينهما...
شارعان..عاشقان
يدركان جيّداً
أنّ الخطوط المتوازية لا تلتقي!
*************************
"مات متشرّد آخر.."
يسدّ الشارع أنفه، ويهمس صمتاً
كلمات صلاة على روح الميّت..
"ستلحظه القطط، قبل أن يلحظه أحد.."
***************************
يمتدّ جسد شارع من جسد شارع آخر،
ويتماهى الإسفلت في بحر سواده،
تتكدّس القصص زوارق زوارق
تغرق رويداً رويداً في طوفان الضوء القادم
من فجر يتسلل على أطراف أصابعه
مباغتاً الشوارع قبل أن تحظى بإغفاءة سريعة
أو منام قصير عابر...
****************************
توما
31-7-2012

الأربعاء، 25 يوليو 2012

...مجرد أشياء...



لون الدماء
لون السماء ساعة يتسلل النور منها على مهل أو إليها
طعم رغيف الخبز الساخن المخبوز تواً على التنور
صلاة الجدّات
وحضن الأمهات
وابتسامة تفلت من وجه الوالد الصارم المتزّمت!

الحبّ..
ورائحة الهال المنبعثة من كأس شاي
لسعة أقرب أصدقائك
صوت الموت ينادي في الطرقات أسماء ضحاياه
الحنين الجارف لما لا تدري ولما تدري
حيرتك المقدسة أمام تفاحتين، حمراء وخضراء
الياسمين الدمشقيّ يغنّي عطره على أسوار المنازل..

المطر..
حلاوة القهوة المرّة على اللسان، وشهيق السجائر
سلام العيون والأيادي
والعناقات الطويلة في الخفاء
جثث الحيوانات الشاردة المدهوسة على الطرقات
واللاءات لكلّ حلم يطرق بابك باستفزاز...

صوت العود..
والأغنيات الهاربة من أعماق الروح
وتراخي الجسد عن احتراقه بلهب الحياة!
هذه كلها..مجرد أشياء..

أشياء لا يجدر بنا أن نعتادها كأيّ أمر عابر!

توما
26-7-2012


الجمعة، 6 يوليو 2012

...إذ أنسى...



إذ أنسى، تتسلّل الذاكرة من كوة النافذة برشاقة قطة سوداء..
الحبّ مرض مزمن، لكنّه أيضاً طبيب، طبيب يتمتع بحسّ سريريّ ثاقب!
********************************
كان على يدك أن تمرّ على جسدي، لأكتشف مواضع الألم..
وعلى أصابعك أن تنقرا عليّ كدفّ، كي يصحو فيّ الأنين!
********************************
ثمة أحزان صامتة تسكننا، تكبر معنا، تختبىء في الزوايا التي لا ينتبه لها أحد كشباك عنكبوت، تفتك بنا كسرطان خبيث، بهدوء وعلى مهل...
إلى أن نجسّها بأنفسنا مصادفة، أو يجسّها لنا أحد..
********************************
كم جميلاً كان عناقنا ذاك المساء، وكم كان طيّباً معنا القدر، لو أنّه فقط،
بكّر اللقاء قليلاً، أو أنّه فقط أجلّ العناق!
كم جميلاً كان اللقاء!
*******************************
لماذا يتحتمّ على كلّ الأشياء التي نريدها أن تأتي أخيراً، بضع دقائق فقط بعد أن نسأم ونيأس ونغادر صالة الانتظار؟
لنلوم أنفسنا مرتين؟ مرة على إدماننا على الأمل، ومرة على شفائنا منه؟
*******************************
إذ أنسى، تنسى الذاكرة غيمة على السطر الأخير من السماء..
مطر خفيف لا يرى يبلبل الشجر الواقف في طابور الصباح، ويهمس أحرف اسمك!
******************************
قال المعالج النفسيّ: صدمة منذ الطفولة البعيدة، دفنتها في الباحة الخلفية للذكريات كوسيلة دفاع عن النفس، وحاجة للبقاء على قيد الحياة.
قالت الغجرية الجالسة على قارعة الطريق: خوف من قدر استرقت النظر إليه، وألمحه ينتظرني عند كلّ زاوية.
قالت جدّتي: حسد الجارة الناقمة على حظّها العاثر، وعينها الثاقبة!

أنت لم تقل..فقط قرّبتني منك، وعانقتني بحرارة أكبر، وكان صوت الألم يعلو أكثر، وأنا أبتسم، وأبتسم، وأبتسم...
******************************
كأنّ النجوم كلّها اختبأت ليلتها، لتمنحنا خصوصية أكثر، وتخفينا عن أعين الآخرين، الفضوليين، الجائعين لخبز النميمة..
وحدنا، أنا أسكب الدموع، وأنت تشربها عن وجنتيّ، وتقول:
"حرام عليك أن تسكبي خمراً، من يقودني إلى بيتي هذا المساء؟"
******************************
نتحسسّ أطرافنا، نعدّها، خمس أصابع في كلّ يد، وفي كلّ قدم، عينان اثنتان في كلّ وجه، وأنف بنافذتين، شفتان نصف مفتوحتين تنتظران ريقاً آخر، وأذنان تترقبان صوت اليمام يصحو أولّ الفجر...
هكذا في كلّ مرة نعود فيها سالمين من وهم السعادة!
*****************************
"في غيابي، لا تنظري طويلاً لصورتك في المرآة..أغار من المرآة إذ تنظر طويلاً إليك، وأنا لا أستطيع حتى أن أسترق النظر!"
"في غيابك، اترك كفّك في كفّي قبل أن تمضي..لا أحتمل نقصانها نبضاً!"
*****************************
إذ أنسى، تصاب الذاكرة بإنفلونزا، وتؤجلّ الرحيل!

توما
 7-7-2012