السبت، 31 ديسمبر 2011

...لا ترحل!...


في اليوم الأخير للعام 2011، عام "ما يريده الشعب"،
سأعانق كلّ ساعة تمضي إلى الماضي بقلب مكسور،
سأسهر معكم، وأرفع كأسي لأطرقه بكأس عامر بالكرامة، وبالأمل!
كيف نقول وداعاً لعام توارثنا انتظاره عن أجدادنا؟
كيف نقول وداعاً لعام ضخّ الحياة في ترابنا، ومائنا، وسمائنا، وقلوبنا التي ولدت في مستنقعات من القهر واليأس والصمت والعفن؟
لا ترحل، أيّها العام الحرّ، ابق عاماً آخر، عامان، عشرة، ابق إلى الأبد مشتعلاً في كلّ  بيت، في كلّ شارع، في كلّ نبض يكبته طاغية!
لا ترحل، ليس قبل أن تنهي أعمالك المعلّقة، وتغسل الخريطة من آخر قطرة دم...

**************************************************
2011 عام سيتوقف عنده التاريخ، ويخلع قبعته، ثم يحني رأسه، قبل أن يقلب الصفحة.
من تونس، حيث تصاعدت الكرامة بخوراً من جسد محمد البوعزيزي، ولفحتنا عبقاً،
إلى ميدان التحرير، حيث غنّت مصر، ورقصت على نبض ثورتها، فطربنا معها وثملنا عشقاً،
إلى ليبيا، التي تطهرّت من شبح القذافي "زنقة" "زنقة"!
إلى اليمن، اليمن التي ولدت "توكل كرمان"، "بلقيس الثانية"، والتي رغم كلّ أسلحتها، لا زالت تناضل "بلا أسلحة"،
إلى سوريــــــا، التي أوجعتنا وتوجعنا كل يوم، سوريـــــــا الحبّ والياسمين الدمشقي، سوريـــــــا التي لن تركع، ولا "أسد" ولا أحد سيمنع نوافير مياهها من البوح حريّة..
إلى موريتانيا، فالمغرب، فالجزائر، فجيبوتي، فالصومال، فالسودان، فالعراق، والبحرين، وسلطنة عمان، والكويت، والسعودية، ولبنان، وفلسطين وهنا..الأردن..
الوطن الكبير كله، بل كلّ العالم كان يحلم هذا العام، يحلم بغدّ أفضل، ويحترق بحلمه، ويغني، ويرقص، ويصطبغ بالحنّاء والكرامة!
لكنّنا، رغم ثملنا فرحاً بما تحقّق، وأملنا الكبير بما ينتظر التحقّق، لا نزال داخل النفق المظلم نفسه، وكلّ ما رأيناه هو فقط بريق الضوء آخره، الذي تمتد أمامنا طريق طويلة لنصله، وتحدّيات هائلة. فمن سقطوا عن عروشهم ليسوا هم رأس الأفعى، ولا قمة الهرم الفاسد الجاثم على صدورنا.
عدوّنا الحقيقي هو هنا، في كلّ واحد فينا، في معتقداتنا المتوارثة أباً عن جدّ، في مفاهيمنا العنصرية، التي تنسف أشلاءنا إلى أشلاء أصغر، في انتماءاتنا العمياء، وأنانيتنا المفرطة، وعدم شعورنا بالمسؤولية الكافية تجاه مجتمعاتنا والآخرين الذين لا يمتون لنا بأيّ صلة قرابة.
عدوّنا الحقيقي هو في "مسيحي"، "مسلم"، "يهودي"، "درزي"، "شيعي"، "سني"، "بهائي"، "ماروني"، "أرثوذكس"، "لاتين"، "كردي"، "قبطي"، "أمازيغي"، "بدون"، وغيرها من التقسيمات الطائفية الدينية والطائفية السياسية.
نحن، ببساطة، كلّ هذا وأكثر!
وعلينا أن نتفق أننا سنختلف على كلّ شيء ربما، وأنّه لا بأس في ذلك. ثمة أمر واحد نريده جميعاً، أمر واحد أساسيّ، نريد واقعاً أفضل، ومستقبلاً أجمل للأجيال القادمة، نريد لكلّ فرد في هذا الوطن الكبير حياة كريمة، بما تعنيه "كريمة" من تفاصيل صغيرة وكبيرة، من تأمين صحيّ مجانيّ وتعليم مجانيّ، تعليم حرّ، لا تقيّده أنظمة سياسية ولا دينية، وفرص متاحة للجميع للثقافة الواسعة الشاملة عبر المكتبات الورقية والإلكترونية، ومساحات حرّة للتعبير، وللاعتقاد، وللتفكير، وللاختراع، والابتكار، والاختيار، والتجربة، والأهم من ذلك مساحة حرّة للاختلاف!
نريد ثورة تبدأ في داخل كلّ واحد فينا، ثورة في داخل عقل وقلب أبسطنا إلى أعقدنا، في داخل بائع الكعك وأستاذة الجامعة وسائق التاكسي والطبيبة والنحّات والكاهن والراقصة ورجل الأعمال والصحافية والحزبي وربّة المنزل والشيخ والمصرفي والنجّار والتربويّ والميكانيكي ومضيفة الطيران!
نريد ثورة تقلب مفاهيمنا الاجتماعية، تسقط "التابوهات"، وتتركنا نتعرّف إلى ملامحنا الجديدة ونستكشفها بكلّ راحة، وكلّ جرأة، دون افتراضات مسبقة ولا توقّعات، وبلا خجل!
نريد ثورة لا تكتفي بتنظيف الفساد الموجود في السلطة، بل تمتدّ بأذرعتها إلى كلّ شارع، وإلى كلّ بيت، وإلى كلّ فرد فينا، فتقضي على كلّ مظاهر الفساد الأصغر، ثورة تنظّف كلّ غسيلنا المتسّخ وتنشره ليجفّ تحت الشمس برائحة منعشة جديدة!
وإلا فما النفع من كلّ ما حدث، وأيّ قيمة لكلّ الدم الذي انسكب؟

**************************************************
في غمرة كلّ هذا، أجد نفسي خجلة من البوح بخساراتي الشخصيّة، أو مكاسبي، التي تبدو مجتمعة أصغر من دمعة على خدّ أمّ شهيد..
لكنّي، مثلكم، أريد أن أترك ما لي وما عليّ هنا، على هذه الصفحة الإلكترونية، قبل أن أفتح عينايّ على عام جديد، يغذّ الخطى إلى فجره متأبطاً أيامه المرّة والحلوة معاً في حقيبة واحدة.
كثير من الألم جلبه لي هذا العام، ربما أكثر من أيّ عام سبقه، على المستوى الشخصيّ..
لكنني، لست نادمة على شيء !
ربما أخطأت في حقّ آخرين، وربما أخطأوا في حقّي،
أخطأت بأن كنت صادقة أكثر مما ينبغي حسب المعايير الاجتماعية المقبولة، وأخطأوا بأن لم يكونوا صادقين بما يكفي حسب معاييري الخاصّة التي يعرفونها جيّداً..
وكان الأمر ليس بذات أهميّة _على ما يبدو_ بما يكفي لنتوقف ونتحدّث بشأنه، فمضينا كلّ في طريق، وتعارك كلّ منّا مع نفسه على حدّة، لكنّنا قد نلتقي، يوماً ما، بلا أسلحة، ولا ضغائن، ولا تروس، ونسأل بعضنا، كيف كنّا في غيابنا عنّا، ولا نستعيض عن الصمت الجارح بمجاملات مبتذلة، لا أدري أين يصنعونها لتناسب كلّ لحظة، كأي ّ معطّر رخيص للجوّ!
ببساطة، الفلّ الذي نوّر على أسيجة القلب، ثم سرعان ما قتله العطش، كان أكثر هشاشة من الصمود تحت وهج الشمس، والفلّ، الفلّ الرقيق العذب، زهر جبان..
 فهنيئاً للقلب بما خسره..لأنّ ترابه منذ الآن لن يرضى بأقلّ من شجرة تمدّ جذورها فيه حتى القاع، وترفع رأسها إلى أعلى!
وشكراً للفلّ _رغم ذلك_ على كلّ الفرح، والشغف، والسحر، واللهفة، والشوق، والأرق، والقلق، والحلم، والخيبة، والألم، والحرقة، والتوق الذي كان يوماً متقّداً!

**************************************************
هذا العام، خسرت كثيراً، لكنّي تعلّمت الكثير أيضاً!
تعلّمت أنّ أكبر الآلام، هو الألم الذي يصيب الذين تحبّهم ، ولا تقوى على شفائهم منه، فيصيبك في أعمق أعماقك، ويهزم تكبّرك..
تعلّمت، أنّ رجلاً لا يبكي، ولا يرقص،  عاجز عن أن يحبّ _بما يكفي_ أيضاً...
وأنّ من لا يجرؤ على سدّ الأبواب التي تأتيه بنسيم لا يشتهيه خوفاً من ضياع فرصة محتملة ولو في المستقبل القادم، ستبقى روحه دوماً في مهبّ الريح!
أنّ رجلاً يساوم نفسه على رغباتها الحقيقية ومشاعرها، ويخلق أعذاراً واهية ليغفر له الآخرون نفاقه، ويتذرّع بمجتمع يفرض عليه تصرّفات معينة، في الوقت الذي يستعمل تلك الذرائع نفسها ليدين المجتمع وتخلّف المجتمع، هو رجل مخصيّ، لن يستعيد يوماً ما فقده!
أن ثمة وجع أكبر من وجعنا دوماً، وإنّه لمن الغرور والأنانية وقلة المسؤولية أن نمنح ألمنا الشخصيّ مساحة أكبر من تلك التي يستحقها، مساحة تتعدّى على وجه العالم، الأكثر رحابة، وتغطي السماء الأكثر إشراقاً واتساعاً..
تعلّمت أن وزن الإنسان الحقيقي لا يقاس بالباوندات ولا بالكيلوغرامات، بل بالابتسامات التي يتركها على وجوه الآخرين دون مقابل، وبالمرات التي يعيرهم فيها كتفه ليميلوا عليها في أوج حاجتهم إلى سند!
تعلّمت أن الصديق الحقيقي، هو ذاك الذي لا ينتظر منك إذنك ليأتي ويعانقك في ضيقك، ولا ينتظر منك أن تطلب يده للمساعدة قبل أن يمدّها هو إليك ويسحبك بقوة من هاوية أوقعك فيها القدر أو أوقعت نفسك فيها مع سبق الإصرار والترصد، لأنه يعلم أنّ الصداقة وحدها رخصة تمنحه حقّ التدّخل في شؤونك الخاصّة، اتفاق ضمنيّ على أنّ "سيفان..سيفك"!                               ولأنّه مثلك يريدك أن تتدّخل لتنقذه وتعانقه وتكون معه في أشدّ لحظاته بؤساً، دون أن يطلب منك ذلك بشكل مباشر...
تعلّمت أن المنازلة غير العادلة تؤلم أكثر، وتكلّف أكثر، لكن ليس ثمة خيار آخر، سوى الاستمرار في القتال حتى آخر رمق، وآخر ذرة كبرياء، ولا..لا يكفي شرف المحاولة، وليس من مصير مقبول سوى الانتصار!
تعلّمت، أنّ أجمل ما في الحزن هو أنّه يجعلنا أكثر إنسانيّة..أكثر إحساساً، وتعاطفاً، وبذلاً، وعطاء..فليتبارك ذاك الحزن، وليرافق خطواتنا كظلّ، وليلد فينا الفرح مع كلّ ولادة جديدة ليوم أفضل...
وأنّ أجمل ما في السعادة، هو أنّها ليست باهظة الثمن، ليست خاتماً ماسياً، ولا سيارة فارهة.. فقد تكون مجانيّة كنزهة على الأقدام في الهواء الطلق، أو تحت مطر ناعم،                             قد تكون كوب قهوة ساخن، أو كتاباً جيّداً، موسيقى تستولي على حواسك، فكرة تلمع في رأسك، أو مجرد قبلة على الجبين...
تعلّمت أنّ ما يخذلنا هو توقّعاتنا دائماً، لا الأخرون..وأنّ الشخص الوحيد الذي علينا أن نبني عليه آمالنا وأحلامنا، هو أنفسنا، ووحدها عليها أن تتلّقى اللائمة أو الثناء على ما يحدث في النهاية.
وأنّ الصّدق له تكلفة باهظة في بعض الأحيان، لكنّه ينزل عن أكتاف الروح أثقالاً كثيرة، ومهما حدث آخر الأمر، سنجد طريقاً للاستمرار!

**************************************************
2011
سرقني القليل الكثير، لكنّه لصّ مبارك، ترك لي ما يفوق ما سرق قيمة،
خسرت فيه كثيراً وكسبت نفسي!
عام جديد، ونحن أكثر كرامة وحرية وحباً وفخراً وفرحاً...

توما
31-12-2011











الأحد، 25 ديسمبر 2011

...دائرة مغلقة...



وأنا أنساك، تبعث لي برسالة قصيرة تهنئني فيها بالعيد..رسالة يبعثها أيّ غريب لأيّ غريبة..
ذوقك الرفيع يصيبني بالغثيان، وتمثيلك الرزين لا يليق إلا أزراراً لمعطف شتويّ ناعم طويل.
تتمنّى لي البركات من الله،
أنت الذي يعرف مدى اضطراب العلاقات الدبلوماسية بيني وبين السماء!
وترسم نقطتان آخر النص ونصف دائرة أمامهما،
فأحاول أن أتذكر شكل ابتسامتك، وأفشل!

الجرح_حبيبي_يقترب من بدايته، كلما اقترب العام من نهايته،
دائرة مغلقة، من نهايتها تلد بدايتها!
فلما كان عليك أن تتكبّد كلّ هذا العناء؟
لما كان عليك نكأ الجرح قبل نضوجه؟

تقرأ عينايّ الجملة القصيرة، الأمنية الفقيرة من أيّ دفء، مرة أخرى
وتندمان!
ولا تفهمان..أيّ شيء يدفعك لبعث مجاملة عارية، لا لغة فيها،
لا روح تسكن فراغها، ولا معنى وراء الكلمات القليلة المصفوفة
فيها بأناقة وخفة..
أيّ شيء بلا معنى، حرّك يديك في لحظات؟
ألا تدرك يداك كم تحدثان من عواصف، كم تقلبان من أسوار
 بقليل من النقرات؟

كيف أردّ عليك؟
بمجاملة أخرى؟
تدرك جيّداً كم أنا ضعيفة في مادة المجاملات!
كان عليّ أن أكون صادقة،
كما دوماً، معك..
وكان عليّ أن ألومك، لكنّ "بذوق" رفيع كذوقك..
فاعذر قلة ذوقي، واعذر ضعفي في معالجة غيظي
من المسلّمات!
وسيدي،
رجاء مرة أخرى،
لا تبعث بنفايتك المغلّفة بشرائط ملونة وأكياس برّاقة
إلى العنوان التالي..أيّاً من سماوات قلبي المعلّقة،
أو فضاءات روحي...
تبقى النفايات ولو غلّفت ورتبّت وزينت..
قذارة فقط، قذارة أنيقة، آسنة الرائحة!

توما
26-12-2011







الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011

...خارج السياق...



عن ماذا أكتب لكم هذا المساء؟
عن ماذا أكتب لنفسي، تضع رأسها على كتفي، تحاول أن تنام، ولا تنام..ثمة حرقة في عينيها، تخزها كلما أغمضت جفنيها، تلك الحرقة المعتادة بعد أن ينفد مخزون المياه في المآقي، وتصاب بالجفاف...
لا، ما عدت أنت سبب أرقي...
أحدّق في شاشة اللابتوب، أجول شبكة المعلومات الالكترونية، أقرأ مقالاً علمياً عن بكتيريا ال"أسينوباكتر" المقاومة لمعظم أنواع المضادات الحيوية، تلك المخلوقة المجهرية التي تفتك بجسد أحد مرضاي، أعلن الحرب عليها، وألمّ الأسلحة اللازمة لمواجهتها من مواقع مختلف،    حتى يهزمني السأم!
أهرب إلى مقال لأدونيس، أضيع فيه، أسرح، أتأمل، أفكر، أصلّي، أسكر  بالكلمات وبرشفتين من نبيذ أحمر، أدندن، أرقص، أنتفض كعصفور وأجدّف في آن معاً...
أتسلل إلى ال"يوتيوب"، وأرعى أمسية موسيقية خاصة بي، وبكم إلى حدّ ما!
لكنّ شيئاً لا يخدّرني إلى تلك الدرجة التي أريد أن أصل إليها، شيئاً لا يفقدني وعيي، وأنا محتاجة حقاً إلى أن أفقد وعيي!
أقرّر أن أكتب، أن أترك قلبي يندلق على أزرار الكيبورد، ويغرقها، حتى يغرقه النوم..
فعن ماذا أكتب هذا المساء؟
أيّ قصة أروي لكم؟
أيّ هزيمة؟
...................
لن أروي أيّ شيء..
ولن أطيل البقاء،
أريد أن أقول لكم هذا الهراء، فقط..فاحتملوني، أو لا تحتملوني!
ثمة من هو إنسان، وثمة من هم "مندسون" في الإنسانية..
وأنا أحبّ الإنسان، أحبّ كلّ ما فيه، وأظنّ أنّ الله يحسده أحياناً في نفسه على ضعفه لا على قوّته!
أحبّه وأحترمه، لأنه قادر أن ينتزع الضحكة الصادقة من بين كلّ ألغام حزنه، ولو فقد رجلاً أو ذراعاً في خضم عملية التنقيب تلك!
أحبّه وأحترمه لأنه يبكي، ويتألم، ويحسّ، ويحبّ، ويرقص، ويغنّي، ويثور، ويشتهي، ويؤمن، ولا يؤمن، ويبحث، ولا يفقد فضوله، ويصرخ، وأحياناً يكبت صراخه لأجل الإنسان الذي أمامه،
ولأنه يدين نفسه، ولا يتهرب رغم مخاوفه من آثامه!
أحبّ الإنسان، لأنّ ناراً تسكنه، تأكله، تشعله، تضيئه، وتحرقه على مهل، وهو يرقص حول تلك النار، يقدّسها، و يصبّ عليها زيتاً وعرقاً، ويصلّي أن لا تنطفأ أبداً!
ثمّة شيء آخر أردت قوله، وهو خارج السياق تماماً!
تبكيني دموع الأخرين، تحزنني، تكسر شيئاً من قلبي،
لكن رجلاً واحداً، إذ يبكي..تنزف كلّ خلاياي،
ويتمزّق قلبي..
لا تبك يا أبي، لا تبك!
توما
14-12-2011




الجمعة، 9 ديسمبر 2011

...عوالم متشابهة...




أصبّ روحي في فنجانك حتى يمتلأ عن آخره، أنا هكذا لما أعطي أعطي كثيراً، ولا أجيد التعامل وفقاً للمبادىء الدبلوماسية، والتقاليد المتعارف عليها ولا القوانين الاجتماعية التي يفترض بالجميع العيش وفقها، لضمان الانسجام والتناغم بين الجميع، وتلافياً لإقلاق الهدوء والصمت الذي ينقعون فيه أقدامهم في لحظة سلام أبدية!

تشربني على مهل، رشفة رشفة، وتطيل التأمل في طعم المرارة الذي أتركه فوق شفتيك...

تحدّق في عينيّ، تقول لي: "أنت امرأة مثيرة للجدل!"

لا أجيب، فأنا لا أعرف ما أنا بعد، ولا أرغب حقّاً في إثارة جدل أو لفت نظر أو أيّ شيء آخر...كلّ ما في الأمر أنّي لا أفكّر كثيراً بالكلمات التي تخرج مباشرة من قلبي عبر شفتيّ، لا أزنها، لا أدرس تأثيراتها على أرض الواقع قبل أن تسقط فوقها وتخدش ركبتيها، ثم دون أدنى اهتمام تمسح الدم النازف وتنطلق لتكمل لعبتها المجنونة، ولا يهمنّي أن تنال إعجاب أحد أو بغضه!
والحقّ يقال أنّني رغم كلّ الخسائر التي تمخضّتها مادية كانت أم بشرية لم أستطع الإقلاع يوماً عن تلك العادة السيئة، ومللت محاولات الإقلاع عنها على أيّ حال.

أما أنت سيدي، فهنيئاً لي ولك! رجل عاقل يثير الدهشة، واللوعة في كلّ شحنات روحي المتنافرة، لكنّه ينجح بامتياز في اجتياز اختبارات عقلي المنطقية.
أنت تماماً كما تريد أيّ فتاة..
تتأنّى كأنّك عامل في بنك الدم يفحص زمرة مريض، وتفكّر بين الخطوة والخطوة بالمسافة التي تريد لقدمك أن تقطعها، بكمية الهواء التي ستملأ بها صدرك في الشهيق القادم، وحجم الغبار الذي ستتركه يتراكم على سترتك قل أن تنفضه بيدك في حركة ستبدو عابرة وعفوية تماماً.
أراهن أنّك تعرف عدد النجمات التي تضيء سماء شرفتك في المساء، وأجزم أنّك لا زلت تذكر الجمل القليلة التي قلتها في آخر اتصال هاتفيّ وردك، ولا بدّ أنك بعت أحلاماً كثيرة في جعبة طفولتك كي لا تثقلك في طريقك إلى المستقبل الباهر الذي ينتظرك، والذي سينال بالطبع استحسان وتصفيق جميع من سيشاركونك المشي على السجادة الحمراء! 

وأنت، كمعظم الرجال الذين عرفتهم، تعشق المغامرة، ولست "جبّاناً"، لكنّك _لسبب ما_ تكتفي بمتابعة قناة المغامرة على التلفاز، وتستمتع بجرعة مدروسة من الأدرينالين في دمائك، جرعة دقيقة، تخاف إن زادت ولو ذرة واحدة، تخاف أن يخسرك المجتمع!

ألملم أشيائي، وأغادر عالمك الهادىء دون أن أحدث جلبة..تناديني: "إلى أين تذهبين؟"

لا ألتفت، مللت العوالم المتشابهة!

توما
9-12-2011



السبت، 26 نوفمبر 2011

...مشاهدات 3...



-1-
كان ينقصه الكثير...
ساقان مبتورتان، وعينان لا تريان إلا شاشة مظلمة!
يجلس على سريره رافعاً إحدى يديه إلى الأعلى، ثمة ألم ينبض في إصبع يده الصغير، يسيل قيحاً من تقرح ملتهب، لا يذكر هو كيف بدأ، ولا يراه.
اليد الأخرى تحضن سيجارة بين السبابة والوسطى، يتصاعد منها الدخان حلقة حلقة، ساخراً من بؤس المشهد، وهازئاً من قدر لم يتمكن من ثني الرجل عن الاستمرار في التدخين وفي الحياة بشكل أو بآخر.
لا أطلب منه إطفاء سيجارته، بعد أن يأست من أمل استماعه لأيّ من التعليمات الطبيّة_ كيف تقنع رجلاً عاش طيلة عمره على هواه أن يعيش آخر عمره على هواك؟_ لكنّه كطالب ضبط متلبسّاً يكرّر عادته في الغشّ في الامتحانات، أطفأها على عجل، بعد أن أنبأته إحدى حواسه التي لا أراها بقدومي المفاجىء، وبادرني بالتحية بصوت جهوريّ يملأ المكان كلّه، ثم سألني عن حالي قبل أن أسأله عن حاله، وأجابني من بعدها عن حاله بأنه ب"ألف" خير لولا ذاك الألم النابض في إصبعه.
أمدّ يدي لأفكّ الضماد المربوط على يده، لبدء عملية التغيير اليومية على جرحه_أو كما يسميها هو عملية التعذيب القصيرة اليومية. يطلب مني الانتظار لثانية فقط، ثم ينادي طفلاً ظننته أول الأمر حفيده، ليتبين فيما بعد أنه أصغر أولاده. يمسك يد الصغير، ويضعها في فمه، ويعضّها بكلّ ما أوتيّ من قوة، ليحتمل الألم الذي يسري كرعشة كهرباء في كلّ يده كلمّا تمّ التغيير على جرحه، الذي لا تهدّىء أيّ من المسكنّات روعه!
أصاب بالرعب على يد الصغير، أتوقف عن متابعة فحص التقرّح، ويبتعد جسدي إلى الوراء بذهول.. الصبيّ لا يجفل، ليس ثمة تعبير من أيّ نوع على وجهه، ليس ثمة خيال خوف أو ألم!
يسحب يده من فم أبيه، ويقول لي:
"لا تخافي، ما عندو اسنان!"
أكنس ذهولي خارج الغرفة، أكمل ما بدأته، يشكرني الرجل_الذي ليس عنده شيء تقريباً_يشكرني بحرارة..ثم ينادي على ولده، ليشعل له سيجارة أخرى، ينفث فيها ألمه حلقة حلقة...
*******************************************

-2-
"أديش عمرك يمّا؟" أسألها.
تنظر إلى ابنتها الواقفة عند طرف السرير، وتستفسر منها:
"كديش عمري يمّا يا عالية؟ كوليلها للدكتورة..يعني يمكن فيي ستة وخمسين سنة..أنا انولدت والناس (بكت) مهاجرة..عاد إنتي إحسبيها!"
لا تتمالك شفتاي نفسيهما عن ابتسامة عريضة، ولا أخبرها بالحساب الصحيح لعمرها ولنكبتنا!
"طيّب يا حجّة، شو بوجعك؟ شو عندك أمراض؟"
"شو ما عندي" تقول، وتلوّح بيدها في وجهي،"سكري وعندي، ضغط وعندي، تسكير بالشريانات وعندي، إجرايي و ضهري بوجعني، (حيل) مافي، واليوم عملولي كسطرة، وحطولي شبكية، وهاي إجري شوفيها كيف صارت محل الكسطرة، حمرا زي الدم ومو كادرة أدعس عليها"
كانت تعدّد مصائبها كأنّها تعدّد انتصاراتها، أو شهاداتها التي تقيّم مدى كفاءتها في مدرسة الحياة.. وأنا على شفا الضحك، أحاول كبت نفسي باحتراف مهنيّ أعجز أحياناً عن الوصول إليه!
أسألها كم ولداً أنجبت، فتجيبني:
"ما بتصدكي لو بكولك" وتبتسم ابتسامة تغري بالسؤال مجدّداً.
"حملت عشرين مرة،" ثم تستدرك "تصعطاعش، تصعطاعش، أربعة منهم راحوا طرح، وضل منهم خمصتاعش، ثلاثة منهم ماتوا وهم صغار، الله يرحمهم، وضل عندي طناعش.."
لم يفت السيّدة حاجباي اللذين طارا فوق جبهتي،
"ماهوو يمّا شو بدّك تحكي، كان زمان جهل كثير، و(زلام كاسرة)، كلبها كاسي.." تطأطىء رأسها، ثم تكمل، "والله يمّا برّا البيت شو في ما كنّا نعرف..غير هالطبخ والجلي والشطف والمسح والغسيل..كنّا نغسل عإيدينا، بتفكرّي كان في زي هلأ! وهادي حياتنا..شو بدنا نكول، الحمدلله.."
أفحص فخذها المتورم من نزيف تحت الجلد، نزيف متوقف، أفعل ما يلزم لها، ثم أتمنّى لها الشفاء العاجل، وأحمل في قلبي دعواتها لي بالتوفيق وبغد أفضل لي، ولكلّ النساء بعدها...

ملاحظة: لا نزال نرى كلّ يوم نساء، أو فتيات لم يكتمل نضوجهن بعد، يستهلكن كماكينات للعمل والمتعة والإنجاب، سينتهي بهن الأمر ك"أم خالد" التي لا يناديها أحد ب"رفقة" إلا الكادر الطبيّ كلّما استدعى وضعها الصحيّ مراجعة المستشفى، فتلتفت حولها، ثم تردّ عليهم مصححة..
"أم خالد"،"أيوه أيوه يا دكتور أنا رفقة، أم خالد!"...

توما     
26-11-2011

الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

...ما أحلى السما...



تنظر إليه..طفلها الوحيد الذي لا تذكر متى كبر هكذا فجأة..
يمسك يدها، يضمها بين يديه، ثم يضغطها على خدّه، ويرضع حناناً يأبى القلب الفطام عنه.
وحيدين، هو وهي، خاضا الرحلة..رفيقين يحنو أحدهما على الآخر، ويغضب أحدهما من الآخر، ليتصالحا قبل مغيب شمس أخرى على غضبهما، والآن إذ يهمس لها كبدها أنها لن تنجو من فخّ القدر الصدىء، تسحب يدها من بين يديه، تترك اللوعة تحرق أناملها، والشوق يأكل قلبها قطعة قطعة، حجرة حجرة..تماماً كما فعلت أولّ يوم ذهب فيه للمدرسة، ومرّغ جسده بالتراب أمامها وملأ الدنيا بالصّراخ كي لا تتركه، فالتفتت قبل أن تسيل أولى الدمعات على خدّيها، ومضت عائدة إلى البيت، وعدّت الساعات، حتى عاد إلى حضنها، بابتسامة ونظرة عتاب!

لكنّها هي من سيمضي هذه المرة، ويطيل الغياب، وعليها أن تعتاد أنّها لن تعتاد يوماً فراقه، وأنّ كلّ دمعة ستسيل على خدّيه، ستحفر أخدوداً في خدّيها..لذا فثمّة درس أخير لا بد أن تلقّنه له، درس أخير في الحبّ، في المودة، وفي المسؤولية.. وعليها لكي يتعلّم أن تكون قاسية عليه كما على نفسها، عليها أن تترك في قلبه مساحة جفاء تملأ ثلاث حجرات من حجرات القلب، فلا يبقى للحزن فيه سوى حجرة واحدة، ستملؤها_في غفلته_ ببحيرة أمل تجعل الحزن أقلّ تركيزاً، وأخفّ وطئاً..
تسحب يدها من بين يديه، تسرق شيئاً من حرارة كفّه، وتخفيها في قبضتها!

**************************************
    
هو، إذ يدفع كرسيها المتحرك نحو الحديقة، يخزه قلبه، ويهمس له أنّها ربما تكون المرة الأخيرة التي سيرافقها فيها ليجلسا معاً، ويتقاسما دفء الشمس، لا لأنّ الشتاء قادم قريباً، بل لأنّه لمح حقائب رحيل مخبأة وراء ستار عينيها..
هو يعلم أنّ جسده سيبقى حيّاً ولو رحلت، لكنّه موقن أنّها هي روحه، وأنّ روحه بكلّ بساطة هي..
وهو_الشاب الجامعيّ المتعلّم_ إذ يؤمن أن النبض في جسد أجوف، نبض بلا معنى ولو استوفى كلّ الشروط الفسيولوجية، يؤمن أيضاً أنّ عزاءها يبقى في استمراره في خوض الحياة بكلّ حواسه، والتهامها بنهم..
ولأنّها فعلت دوماً ما توجّب عليها فعله لأجله، تماماً كاليوم العالق بذاكرته حتى الآن، الذي تركته فيه ممرّغاً بالتراب وراء باب المدرسة، بعد أن سقط وهو يحاول اللحاق بها في أولّ يوم مدرسيّ له، سلمّته فيه لسيّدة غريبة وحيداً وما التفتت وراءها، ليتعلّم كيف يجد شجاعته، ويتعلّم كيف يرى الحياة عبر عينيه لا عبر عينيها فقط... عليه هو الآن، فعل ما يتوجبّ عليه فعله لأجلها..
عليه أن يجعل من كلّ يوم إضافيّ يكسبانه، احتفالاً صغيراً بوجودهما معاً، دون مغالاة في المظاهر، ولا العواطف..
عليه أن يبتلع ضعفه، وخوفه من فراقها، ويدفن جزعه في مكان خارج مساحة جسده وروحه اللذين تجيد هي بنظرة واحدة مسحهما، وقراءة ما يقلقهما، الأمر الذي ظلّ طوال سنين عمره مصدر إزعاج له، لما فيه من اختراق لخصوصيته، وفضح لمواطن ضعفه!
ترى، بعدها، من سيقرأ ألمه؟ من سيحمل معه ضيقه وهمه دون أن يطلب منه ذلك؟

********************************************


يختاران بقعة ظلّ، ينظران إلى السماء، ويقضمان قرص الشمس الساخن على مهل..
"ما أحلى السما!" تقول له..
"عشانك صارلك أسبوع ما طلعت من الغرفة عالضو.." يقول معلّقاً على كلامها.
تبتسم، تخبىء تنهيدة بين شهيق عميق وزفير..تنظر إليه، طفلها الذي كبر، وصار شعره الكستنائي الفاتح أشعثاً، يغطّي جبهته، ما عادت تقدر أن تختار له هي تسريحة شعره، ولا موديلات ملابسه التي تجدها هي بعيدة عن الأناقة بدرجات..لكنّها تعلم أن فتيات كثيرات سيقعن في حبّه رغم ذلك، وأنّه سيجيد الاختيار، وسيحدّث فتاته عنها كثيراً، حتى تسأم منه الفتاة!

"وين سرحتي؟ولا أنا وجعتلك راسك بقصص الجامعة والعلامات؟" ييقظها من حلمها النهاريّ العذب.
تضحك، يضحك، وتملأ ضحكاتهما السماء..فيمنحهما الربّ يوماً إضافياً آخر...

توما     
17-11-2011

الأحد، 13 نوفمبر 2011

...في تاسعتها والعشرين...


تكبر الفتاة عاماً آخر..ولا تكبر طفولتها..
أساها ربما، وجرح يشّق  الروح إلى نصفين، يلمع البرق بينهما، ويزأر رعد كاسر...
لكنّها هي هي، تخترع فرحاً ما كلّ صباح، وتلّم الحصى على الطريق أملاً يملأ جيوبها!
تبحث عن شجرة كرز تتسلقها، لتختبئ بين غصونها من خيبة أخرى تترصدّها كولد متنمّر، وتلتهم الحبّات الحمراء الحلوة الحامضة حبّة حبّة حتى يهدأ روعها، وتشدّ قوس شجاعتها، ثم تفلته لتطير إلى حضن غيمة في الأفق، عابرة البياض، متشحّة بالزرقة، مسافرة إلى سماء أخرى..
لا زالت في سنتها التاسعة والعشرين من مرورها العبثيّ على كرة التراب المعجونة بالماء والدم، تلهو بكلّ شيء..بساعة حول معصمها الذي يخنقه الوقت، وتثقله الساعات المثقلة بدقائقها وثوانيها..
بقلادة حول عنقها الذي لا يوافقها أنّ ثمّة قلادة سوى زوابع الريح الصغيرة، تفهمه، وتجعله أجمل..
بخيط بين يديها تعقده أمنية أمنية، فينهرها أحدهم مدّعياً أنّ لعقد الخيوط فأل سيء،
فتستبدله بقطعة ورق تصبح زورقاً..أو ضفدعاً أحياناً!
لا زالت تعبث بكلّ ما تقع عليه حواسها..بعنكبوت تصادفه في الحديقة، بسرب نمل يتسللّ عبر نافذة المطبخ، بالراديو الذي تؤثره على كلّ ما جلبته التكنولوجيا لهذا العالم، بزينة معلّقة، بقطع "ليغو" مبعثرة على فراش صغيرة في مستشفى، تنتظر العودة لبيتها بجديلتين و"إسوارة زهرية" ربطوها حول ساعدها، بأكواب الشاي البلاستيكية الطرية التي ينتهي بها الأمر أشبه بأخطبوط متعدّد الأذرع، بتعليقة مفاتيح، بشعرها أو حبّ شباب يحلو له بين الحين والآخر أن ينبت على وجهها، بمزاج الآخرين حولها، بمزاجها، وديكور الأحداث المؤثثة لحياتها، بأيّ شيء بأيّ شيء..
ولا زالت، رغم تاسعتها والعشرين، لا تنجو من بقع القهوة على ملابسها، وتنسى مسح نقطة البنّ المتخثرة على طرف أنفها دائماً_بطريقة ما_ إلى أن تلفت انتباه أحد آخر وضحكه في آن معاً!
ولا تنجو كذلك من شباك حسّ متطرّف في سذاجته، أوقعها ألف مرة في حفر بعمق حسن ظنّها، وكسر أضلاعها واحداً تلو الآخر، ثم ربّت على ظهرها مواسياً، وابتسم ابتسامته المحتالة، فصالحته_صالحته كلّ مرة_سريعاً، لذنب يفتك بقلبها إن لم تصالحه هو المذنب الضائع الذي لا يتوب ولا يعود إلى رشده..   
وهي، في تاسعتها والعشرين، لا تزال توزّع التحيّة، وبالأخص تحيّة الصباح، قطع حلوى على الجميع، حتى على من لا تعرفهم، كأنّها_التحيّة_قادرة على فكّ شيفرة كلّ هذا التجهّم على وجه العالم معقود الحاجبين..كأنّها التحيّة قادرة على جلب السلام لقلوب تفتقده! وكم تضحكها ردود فعل هؤلاء الذين يغرقون في التساؤلات، عن تحيّة ملقاة في طريقهم، من غريبة، فيزدادون تجهمّاً أحياناً، ويفترضون أنّ التحيّة لم تكن تقصدهم، فيتلفتون يميناً ويساراً باحثين عن مقصود محتمل! وأحياناً، يتفاجئون، ولكثرة اندهاشهم، يتوقفون للحظة، ويفكرون إن كان ثمّة سبب حقيقيّ يمنع السلام من النفوذ إلى قلوبهم، وإن كان ثمّة سبب حقيقيّ يمنع ذاك الصباح من أن يكون "صباح خير"..وأحياناً، تصادف مجانين _مثلها_ لا يفكرّون كثيراً بسلام عابر وتحيّة روتينيّة لكنّها كالشمس، تشرق كلّ يوم دون أن تستنفذ طاقتها على العطاء، فيردّون_ببساطة_السلام، ويبتسمون، ويمضي كلّ في طريقه أخفّ مرارة، وأكثر دفئاً!
في تاسعتها والعشرين، لا تنتظر الفتاة شيئاً كثيراً، وتتمنّى لو أنّ بعض من تذّكر بعث مودّته وأمنياته الضرورية لحفظ هيكل اللياقة الاجتماعية، نسي بعثها فلم تتذّكر عيناها دموعاً اضطرارية على الخدّين! ولو أنّ بعض من نسي..تذّكر!
وهي في تاسعتها والعشرين من خروجها إلى العالم بقدميها أولاً عبر جرح عملية قيصرية ذات ليل طويل، ليست نادمة على رحلتها حتى الآن، ولا حتى على الأخطاء الكثيرة التي اقترفتها الطبيعة بحقّها واقترفتها هي بحقّ الطبيعة، والتي جعلت منها الكائن الغريب الذي تكونه، الكائن المدهش تارة، المنفّر تارة أخرى، والمثير للتساؤلات وللكوارث في الكثير من الأحيان!
لكنّها _في ذات الوقت_ لا تحلم بألف عام قادم، ولا مئتين، ولا مئة، ولا خمسين,,
لا تحلم بأكثر من قدح نبيذ، يستحق كلّ ما فيه من متعة حتى آخر قطرة ملتصقة بزجاج الكأس..
أو أكثر من وميض، وشهاب عابر تتعلّق بذيله..
هي تحلم فقط، بأصداف قليلة يغسلها البحر..على مهل..صدفة صدفة، ثم يعيدها إلى بطنه قصّة قصّة، يرويها الموج لبحّارة عابرين يلقون شباكهم ليصطادوا أسماكاً وأحلاماً وذكريات...
وهي، لا تتوقف عن الحلم، طالما لم تتوقف عن الحياة..

توما
13-11-2011


الجمعة، 4 نوفمبر 2011

...عجين...



أصبّ الزيت بيد فوق اليد الأخرى الغاطسة في كوم من الطحين، وأعجن..
أعجن أحلاماً بطعم القرفة اللاذع وأضيف رشّة زنجبيل، كمشة زبيب، وكوب لوز مكسّر، وأصبّ كأساً من أولّ المطر أذبت فيه ملعقة صغيرة من غبار روحي.
أعجن وأعجن، ثم أفرد العجينة لترتاح، وألعق ما علق بأصابعي منها، فتتسرّب اللوعة إلى مستقبلات الطعم الحسيّة في لساني، ويسيل لعابي لذّة !
للحزن طعم آخر لمّا تكون أنت سببه...
وللخيانة، وقع الإعصار الذي يخلع الروح من جذورها، لمّا تكون أنت الخائن، لكنّها_الخيانة_في هذه الحالة فقط، لها مبرّرات كونيّة لا تقبل الجدل، وقداسة غيبيّة لا يجوز التشكيك فيها، وأسباب إلهيّة أكبر من أن أفهمها، أنا الضعيفة الإيمان، الذئبة الضائعة عن حظيرة الإله، والتي رغم أنّها ذئبة تحسّ في أعماقها بالذنب كلما التهمت بشهية لحماً كان مثلها على قيد الأمل يوماً، إلّا أنّ شعورها بالذنب لن يبرّرها يوماً في عيون الخراف المذبوحة، وسيبقيها مخلوقاً خارجاُ على القانون، لن يصير أليفاً يوماً، وحتماً، ذاك سبب كاف، كي لا تمتعض الذئبة الغريبة الأطوار، من حكم القدر العادل!
كرات صغيرة من حبّ وألم وغضب وفرح وحريّة في الوقت ذاته، أدوّرها بين راحتيّ..
قطعة فقطعة أسرقها من جسد العجينة اللزج، ثم أضغطها على السطح المعدنيّ البارد لصينية الخبز، فترتعش! أقسم ليمونة إلى نصفين، وأعصر النصف الذي يحفظ اسمك، دمعة دمعة، فوق كلّ قطعة عطشة تتمددّ بصمت، وتتأملّ آخر لحظات اللين في حياتها الخاطفة، قبل أن يلفحها وهج الفرن الساخن، ويحيلها إلى قمر كامل، صلب وهشّ في آن واحد، يتفتتّ بسهولة في الأفواه التي جذبتها الرائحة..الأفواه الجائعة للحبّ والحلم...
أحياناً، أتساءل، ماذا يضير الحياة، لو كان العجين عجيناً فقط، لا ماض وذكرى وغدّ وأمل؟
لو كان قلبي عضلة فقط، تمارس واجبها اليوميّ، دون أسئلة، كعامل ملتزم، متفان في الأداء، بلا طموح سوى أن تعود الدماء أخيراً إليه!
قلبي الذي أبحث عن متسوّل يقبل حمل عبئه عنّي مقابل صدقة مجزية، ولا أجد! و أفكرّ برميه _كطفل تخلّت عنه أمّه_ على عتبة ملجأ ما، فقد يجد يوماً من الأيام من يغامر ويتبناه، ويحظى بحلمه..
وأكمل أنا الرحلة دونه، دون خيبات متلاحقة، دون توقعات، بلا ألم أضلاع مزمن من تكسّر موج النبض الهادر عليها، دون أن تفهمه، أو تطلقه عبرها كعصفور، إلى سماء سيضيع فيها ويتشرّد ولا يجد مكاناً ليضع عليه رأسه المتعب، لكنّها  تغويه، وتثير كلّ "نانوغرام" أدرينالين في دمه، وتجذبه كمغناطيس، لا تجد _أمام قدرته_ قطعة الحديد الصغيرة مفرّاً أو ملاذاً منه، إلا إليه..

ماذا يضير الحياة، لو كنت مواطنة مثالية في عالم من قضاء وقدر، لكلّ ما يزعجني، ما يغضبني ويثير حفيظتي، سبب مقنع ما، مجهول ربما، لكنّه مقنع ومنطقيّ إلى حدّ كبير! ولهذا العالم ربّ ينظّم أموره، ويوازن معادلات الحرب والسلام فيه، معادلات القوة والضعف العادلة بطريقة ما، ومعادلات الفقر المدقع والغنى الفاحش، والمرض والعافية، وكلّ ذاك الظلم غير المبرّر أمام جثمان العدل المقدّس!
ماذا يضير الحياة، لو أنّني لا أحلم كثيراً، ولا أفكّر بكلّ ما لا يعنيني، وكلّ ما يعنيني، وأترك الحياة تلمّ أشلاءها بنفسها كأيّ أرملة ثكلى، استسلمت لإرادة الغيب..والغباء!
ماذا يضير الحياة، لو أنّني لا أرى في الآخرين أكثر مما يرون هم في أنفسهم..لو أنّني أخلع عن عينيّ نظارتي الثلاثية الأبعاد وأرى فقط بعدي الحياة الجامد اللذين لا يحتملان التأويل ولا يخضعان للخيال، ولا أمعن كعادتي في رسم الغيوم على سماء ممعنة في الزرقة والملل، ومحاربة طواحين هواء تطحن آخر الأمر أوهامي المجنونة بلا رحمة..
لو أننّي فقط، كنت قد درست مبادىء الاجتماع الخاصّة بالمجتمعات المدنية، أسس الذوق العام، والحدود المسموحة للإبحار في مياه الأحلام الإقليمية!
ولو أنّك فقط لم تتكرّم لتدنو إلى قاع المدينة أنت الساكن هناك في الجبال وبقيت مجرد علامة تعجّب تثير أكثر من علامة استفهام..
لو أنّني، لا أحلم كثيراً خارج أسوار المعتاد، فأعود آخر النهار سليمة الركبتين والكاحلين، بلا كدمات ولا خدوش ولا آثار لانتصار الحياة الساحق عليّ، وهزيمتي المعلنة في كلّ مرة أمام ذكرى أريد كثيراً أن أنساها وأخاف كثيراً أن أنساها ...
ماذا كان يضير الحياة، لو أنّ العجين، يبقى عجيناً فقط؟؟؟
ولو أنّها اليوم فقط ما أمطرت.؟!

توما
4-11-2011
  

الأربعاء، 19 أكتوبر 2011

...مستحيل...



أتصلّ بها لأذّكرها بموعد صورة ال"ماموجرام" التي عليها أن تجريها للمتابعة الدورية، مريضة تضطرني في كلّ مرة لملاحقتها لإجراء ما هو ضروريّ لصحتها حسب المنطق العلميّ والطبيّ الصحيح..
سيّدة في أول أربعينياتها، متزوّجة، وأمّ لستة فتيات، تقع أعمارهن بين أوائل العشرينيات وبضع سنوات لا تتجاوز عدد أصابع يد واحدة...
أذكر لما دخلت العيادة أولّ مرة، ولم أرى منها سوى جسداً ممتلئاً ملتفاً بعباءة سوداء، ونقاباً يخبىء كلّ الوجه ما عدا عينيها، تصطحبها أكبر وأصغر بناتها. جاءت تشكو من كتلة في إحدى ثدييها، كانت قد أهملتها لمدة منذ الزمن، لكنّ الكتلة كبرت في الحجم، وأصبح من الصعب عليها تجاهلها أكثر من ذلك. أجريت لها فحصاً سريرياً، وكان الانطباع الأولّ لديّ أنها كتلة تخبىء خبثاً في ثناياها، فبعثتها لإتمام باقي الفحوصات اللازمة لتشخيص طبيعة الكتلة وهويتها، من صور شعاعية وفحوصات مخبرية، وفحص لنسيج الكتلة. ألمحت لها بشكوكي، ثم أخبرتها أن تأتي بعد بضعة أيام  للإطلاع وإجراء اللازم. تقبّلت الموضوع برحابة صدر، ولم تتعمّق كثيراً في التفكير، ولم تبالغ في التعبير عن مخاوفها.
مرّت الأيام القليلة التالية، وأتى فحص أنسجتها موافقاً لتوقعاتي الأسوأ.
أخرجت رقم هاتف المريضة من السجل، واتصلّت بها لأبلغها بضرورة مراجعة المستشفى لعمل ما يلزم لها.
طبعاً، المريضة التي كانت تتهرّب من شكوكها منذ مدة شهور عديدة، حاولت أن تتهرّب مجدّداً، لكنّها آخر الأمر جاءت، واستمعت لشرحنا لها عن طبيعة مرضها، وعن ضرورة الحاجة لاستئصال ثديها المصاب مع الغدد الليمفاوية تحت الإبط.
سألت عن الحلول الأخرى، حاولت إقناعنا بالعدول عن فكرة استئصال ثدييها كله، وظلّت تردّد:
"مستحيل! مستحيل!"
وتلوّح بإصبعها وتهزّ برأسها غير موافقة.
ذكرّتها ببناتها، وبضرورة أن تكون بصحة وعافية كيّ تراهن يكبرن أمامها، وكي تستطيع أن تؤدّي واجباتها كأمّ تجاههن، فلان قلبها، وانكسر صوتها، وطريّ لسانها.
طلبت مهلة لتفكّر، وطلبنا منها الحديث مع زوجها في الموضوع، فلم تمانع.
مرّت فترة اتخاذ القرار، وجاءتنا راضخة لمصيها، وسلّمت نفسها لأيدينا.
تمّ إجراء الجراحة، ولمّا زرتها للاطمئنان عليها أولّ يوم بعد العملية في سريرها، كانت محاطة بجيش من الصّبايا، بعضهن منفقبّات وبعضهن محجّبات، والصغيرة التي أكملت أعوامها الخمس قبل بضعة أيام وحدها تتهادى بدلال، شعرها مرخيّ على أكتافها، وابتسامتها تضيء وجه أمّها، المتألمة من جرح جسدها وجرح روحها في آن معاً.
مرّت فترة التعافي بصعوبة، فلم يكن سهلاً عليها أنّ تتقبّل ما حدث، ولم يكن سهلاً عليها أن ترى نفسها ناقصة جزءاً منها، جزءاً يثير اعتدادها، ويزيد ثقتها بنفسها وأنوثتها وسطوتها. كانت تحسّ بأنّها قد فقدت توازنها، بأنّها فقدت ملائمتها لمفهوم المرأة الحقّة، كانت تحسّ أنها فقدت هويتها، وأنّها كائن فضائيّ غريب الشكل، بشع المظهر هبط على الأرض للتو، فلم يجد أحداً يتقبّله، ولا تقبّل هو نفسه!
لكنّها مرّت، بشكل ما، بعد وقت طويل..ولو إلى حدّ ما، قبل أن نفاجئها بتحويل للعلاج الكيماوي والشعاعي، أثار استنكارها وحفيظتها، وكان على وشك أن يشرع أظفارها في وجوهنا لشدة رفضها لمجرد الفكرة، رغم أنّنا كنّا قد أخبرناها باحتمال حاجتها لمثل ذاك العلاج بعد إجراء العمليّة.
"مستحيل! مستحيل!"
كان ردّها مرة أخرى، وهذه المرة، بلغ بها الأمر أنّها فرّت من العيادة دون أدنى تردّد!
عاودت الاتصّال بها مرّات لإقناعها، وكانت تجيبني:
"دكتورة، صدري وشلتوا، وهلأ بدكم تاخدو شعري كمان؟ كيف بدي أضّلني مرة أنا؟ كيف جوزي بدو يطلّع فيي؟ أو يقرّب عليّ؟ كيف أنا بدّي أطلّع عحالي بالمراية؟ كيف بس؟"

أحاول تهدئتها، وإلقاء محاضرة شبه دينية عليها، عن كيف أنّ الله يمتحن عباده الصالحين، المؤمنين، ليختبر صبرهم، وإيمانهم به في السرّاء والضّراء، أخبرها أنّ مقابل كلّ عذابها سيعوّضها الله خيراً، وأنّ هذا دفع بلاء عن عائلتها! طبعاً ألقي كلماتي هذه وأنا أكاد لا أؤمن بحرف واحد مما قلته لها، ولكنّني أجد نفسي مضطرة للتحايل عليها كأنّي أتحايل على طفل صغير..

"دكتورة، بنتي الصغيرة بس شافتني بالبيت انتبهت وسألتني، ماما وين راح هادا، وأشرّت على صدري! كيف بدك إياني أفهمها بكره وين راح شعري كمان؟؟؟"
يغمرني صوت نحيبها بالأسى، لكنّني لا أفقد الأمل في إقناعها، وألًح عليها حتى تبدأ بالاقتناع!

وتبدأ مشوار العلاج بالكيماوي والأشعة، وتتصلّ بي بعد جلساتها لتخبرني كم تحسّ بالإنهاك، وأنّها تقضي معظم أيامها نائمة، ولا تشعر بأنها قادرة على الاستمرار، خاصة أنّها تشعر بالعجز أمام أبسط مطالب أسرتها، وأصغر المسؤوليات.
أحاول مدّها بالعزيمة، وأكرّر على مسامعها أنّ هذه فترة عابرة فقط، وأنّها ستتعافى كما تعافت من قبل، وتعود لإكمال حياتها الطبيعية، وتستعيد نشاطها وقوتها.
تضحك بوهن..
"ليش ضلّ إشي طبيعي يادكتورة تيرجع، مستحيل!"

مرّت عدة أشهر على عمليتها، وهي لا زالت تخضع للعلاج الكيماوي، واليوم أتصّل بها لأذكرها بموعد مراجعتها، وأسألها إن كانت تستطيع الحضور اليوم للمستشفى.
تجيبني بصوت "معجوء" بالفرحة!
"دكتورة الله يخلّيك اليوم ما بقدر!"
أسألها إن كانت متعبة من جلسة العلاج الأخيرة.
تضحك ، تضحك كطفلتها التي في الخامسة.
"دكتورة احزري أنا وين؟"
ولا تنتظرني لأحزر!
"أنا عند الكوافيرة، دبرّنا باروكة، واليوم عرس أخوي، بالله عليكي يا دكتورة تشرفيّنا!"
أبتسم، وأغرق في ابتسامتي، ما أجمل أن ينتصر الإنسان على نفسه، وما أقدس الفرح لما يدوس الحزن برجليه ليصنع خمراً!
 

توما
13-10-2011

الأحد، 9 أكتوبر 2011

...تناثر المجاز...


 
أصابعي سقطت...قتيلاً قتيلاً...
على أدراج عشق لم تجرؤ على كتابتها...
وقعت..!
شهيداً شهيداً..
في ساحات حرب لم تطأها..

لغم وراء لغم، فتك بالسبابة فالوسطى فالإبهام..
فسالت حروف كثيرة على إسفلت المكان
وتناثر المجاز كلمات ترتطم بكلمات
وتضيع بين الإشارات الحائرة
أشلاء تبحث عن أشلائها في كلّ الاتجاهات!

كشظايا زجاج مكسور،
تنغرز في كاحليّ صبيّة حافية..
تقف على حافة النافذة،
في الطابق العشرين لأحلامها الغافية
تحت إبطيها،
وتنظر في المرآة
تنظر إلى وجهها للمرة الأخيرة
تودّع الذي يحدّق فيها
وتحدّق فيه
كأنّه يراها
كأنّها تراه
للمرة الأولى منذ سنين...
للمرة الأولى مذ غادرت طفولتها
مذ هجرت أرجوحتها المجنونة في الحديقة
ودفنت دميتها تحت التراب...
تقول له كلاماً قليلاً،
يقول الكثير!
تنضج الدموع أرغفة خبز ساخنة
على خدّيها..
يأكل، تأكل،
تغصّ اللقمة في حلقها،
وتسقط المرآة،
تتكسّر على قدميها،
وتطير الفتاة
تطير الفتاة...
تنسى..أنّه سرق أجنحتها،
تنسى أنّها فتاة!


تناثر المجاز...
كلّ صورة في هاوية،
كلّ معنى
يبحث عن معنى يحضنه
في زاوية..
والغانية،
تمدّد جسدها الأزرق فوق رأسي
أزرق أزرق
بلا نهاية، بلا بداية،
وتفتح يديها لتلملم الدعاء
وتصطاد الزبائن الفقراء
اليائسين
الغارقين في بؤسهم وديونهم
الراكضين وراء لقمة مغمسّة بالدم
ليقسموها على عشرة في المساء
حسب قوانين الحساب
ويأكلونها على مهل
ويشكرون ويحمدون ولا يحلمون
بأكثر من ليلة حمراء في أحضان زرقتها،
ويقومون ويقعدون ويستغفرون
على طمعهم غير المستحق في كرمها!

تناثر المجاز،
خيمة خيمة
خيبة خيبة
نكبة..نكسة..
كذبة كذبة
صرخة صرخة
أسيراً أسيراً
ثورة ثورة...

تناثر المجاز...
فهل يجوز لي
أن أبحث تحت أجساد الضحايا؟
هل يجوز لي أن أفتشّ الجيوب المثقوبة
عن سبّابتي وإصبعي الأوسط؟
وهل يجوز لي _ وسط كلّ هذه الفوضى_
أنّ أفكّر بين الحين والآخر
بك، بكرهي وعشقي لك؟
وبإبهامي المهشّم ؟

وهل ترضى، أن أرضى عن عالم من مرضى
لست بقادرة على شفائهم،
ولو كانت معي سليمة معافاة أصابعي العشرة؟!

توما
9-10-2011