الأربعاء، 21 سبتمبر 2011

...على امتداد خطّ الحبر...


  
كما الغيمة، تمطر دفعة واحدة، بعد أسابيع من الجفاف، هكذا تفيض أناملي بشوقها، وجنونها وشبقها بعد طول انقطاع وصمت وتجاهل لمحاولاتي البائسة في عصر ريقها عن جملة واحدة فقط، ولو جملة واحدة!

لا أفهمها تلك العاصفة التي إن مرّت أطاحت في لحظات بكلّ أولوياتي، وجرتنّي أسيرة لداخلها، دون أيّ رغبة في المقاومة، بلا نيّة في التمرّد، خانعة لسطوتها خليّة خليّة، أدور فيها، أدور، أدور، أدور.. وأتمزّق، وأتطاير أشلاء في كلّ مكان، ترتطم بما لم تنتبه له في حالة وعيها التامة! وتصيبها_رغم كلّ الخراب، ورغم كلّ الكآبة_حالة من السعادة! تشبه تلك التي تصيب الدراويش وهم يدورون حول أنفسهم في حالة تصوّف تأخذهم إلى أبعد مما نرى، وأبعد مما نحسّ..

لا أستطيع ترويضها، هي الفرس الجامحة، الشبح اللعوب..تأتي متى شاءت، وترحل دون سابق إنذار، وتطيل الرحيل أحياناً، فأقسم بيني وبيني أنّها لن تعود، وأنّها هجرتني لا محالة أنا الفتاة العاديّة حتى الملل!

وفي كلّ مرّة أفقد فيها الأمل، تعود، على حين بغتة تعود، وتشتعل أطراف أناملي، ويرقص على رؤوسها اللهب، كأنّها وحيّ يفيض، أو جنّ خارج من إحدى القصص الخيّالية التي أمضيت طفولتي ألعب بين صفحاتها، وأتسلّق أغصانها المتشابكة، وأتعثّر في مصائدها، وأصاب بلعنات الساحرات اللواتي تسكنها، ثم أشفى كلما أنهيت رواية شفاء مؤقتاً، لا يطول!

لا أفهم كيف يجيد آخرون تطويعها، تلك البدائية المجنونة المفترسة، فتصير مهنة عاديّة أخرى، وعادّة يومية يقترفونها، كأنّها أرجيلة بطعم الكرز، أو فرض صلاة سادسة، أو وجبة طعام أساسيّة رابعة، أو باص مدرسة لا يخطىء موعده، أو نشرة أخبار معادة على قناة الجزيرة، أو سلام وطنيّ يبدأون فيه طابور يومهم!

الكتابة عندي، صدفة لا ألبث أن ألتقيها، فتقترفني كأنّي جريمتها الوحيدة..
فراشة تحطّ على كتفي من حيث لا أدري لبرهة قصيرة، ثم تطير وتختفي إلى حين تشاء، أو إلى حين تحنّ لبلل الحزن في جوف عينيّ، فتعود لتغسل جناحيها في مائهما!

برتقالة تقع من السماء على رأسي بعد أن يطول اشتهائي لها، فأقشرّها بأظافري بلا
سكيّن، ويسيل لعابها على يديّ، فتستيقظ كلّ حواسي، وتجتمع لتلتهم الوليمة بنهم!

الكتابة عندي، مثلك، توق لا يهدأ، لا يستكين، لا يرضى بأقلّ من أعجوبة، من رقيّة جنيّة، من رقصة غجر فوق نار تعضّ أقدامهم، من موسم ندى، وحقل عبّاد شمس، وسفر في بوح ضوء قمر على عتمة رصيف وحيد فارغ...

منذ الصّغر، أذكر.. منذ الصّغر.. كان بي ولع بالموسيقى المعزوفة في قلب الحجر، والحرف إذ يميل على الحرف حزناً أو شوقاً أو فرحاً أو مداعبة أو طرب، والكلمات تسبح في الفضاء حكاية حكاية، والمعنى يبحث عن معنى في شعر لعبته الرياح على خصر وتر، والجمل تتلو على الكون هباءها، حكمتها الخالدة، وبلا تردّد كلّ ما يدور في رأسها المكسور من أوهام أو أحلام أو شجن..

ولمّا طال بي البقاء، وصار العمر من خانتين تركض أولاهما على عجل، وتبطىء الثانية عمداً حتى تلحق بها الأولى، فيكبران معاً، طال بي أيضاً حبل الكلام، ودبّ في أوصالي الوهن..

وغداً إذ أفقد حكمة أكثر، وأصير أقلّ حياة، ستبقى خدود الورق تبتلع كلماتي التي أسكبها كبيرة من مآقي الروح، بلا خوف ولا خجل...

وستبقى أنت في بعدك، على امتداد خطّ الحبر السائل من القلم حاضراً، ولو في همزة وصل تنتظر يوماً لقياك، أو في واو عطف على الأمنيات، أو في الصّدى الذي قد يجيب يوماً ياء النداء...

فلا تنتظر يوم أشفى منك، لا تنتظر يوم أشفى من الكلمات...
وأمعن في غيابك أكثر، ابتعد لتقترب، وانأى لتدنو..
كم لن تفهم أنّ أبعد غيمة في السماء هي الأثقل بالمطر دوماً، وأن أنأى نجم في الفضاء هو الأسطع لهباً!

وإن يوماً محى وجهك الغياب كما سيفعل، وعنّت لك العودة بحثاً عن ملامح الذكريات،
فلا تعد إلا محض صدفة عابرة، محض قوس قزح أو جملة مضافة في آخر نصّ كتب على عجل...


توما
22-9-2011

الأحد، 11 سبتمبر 2011

...رسائل شخصية جداً –2-...



الحبّ..طفل شقيّ يريد لفت انتباه الجميع إليه، مهما حاولنا إسكاته أو إخفاءه، وهو كأيّ طفل شقيّ آخر يكسر كلّ ما في طريقه إن غضب!
لكنّه ساعة يزول غضبه، يلتفّ حول نفسه في زاوية ما، ويجهش بالبكاء...

**********************************

أسمع اسمك يترددّ على شفتيها بمناسبة ودون مناسبة، بنغمة تذكرنّي بتلك التي كانت تعزفها أحبالي الصوتية إذ أذكر اسمك بمناسبة ودون مناسبة، أيضاً!

فلاسم الذي نحبّه سيّدي، قداسة تركع الروح على ركبتيها، ولتلك القداسة لذّة تضاهي لذّة قربان في فم مؤمن تقيّ..
وقد أكون مخطئة، فأنا على كلّ الأحوال لست مؤمنة حقّاً، ولست تقيّة بكلّ تأكيد!

وأنا، كما المحروم من المناولة لخطيئة كبرى، ما عدت قادرة على لفظ اسمك، ولا على ربط الاسم على شفتيها بصورة وجهك..

وليس هناك من داع للشرح أكثر!

**********************************

أتيت دون دعوة، وذهبت دون وداع...تراك كنت حلماً فقط؟
من إذن كان يسقي العشب المتسلقّ على جدران قلبي؟
من إذن كان يضع الكلمات على شفتيّ فأستيقظ من نومي وأجدها هناك مبللّة بالندى؟ ولماذا الآن ما عاد في قلبي سوى شوك يابس يتكسرّ تحت قدميّ كلما مررت سريعاً عليه في الصّباح لأتأكدّ من منسوب الدماء في حجراته ومنسوب الرغبة لديه في الحيّاة، المقاسة بصورة غير مباشرة عبر قوة انقباضه مضروبة بسرعة دفقه ومقسومة على احتمالات حزنه وعمق جرحه!

**********************************

يقال..ليس ثمّة معايير أخلاقيّة في الحبّ والحرب..وليس ثمّة منطق...
وأقول دس على كلّ جرح في طريقك لأجلها إن أحببتها حقّاً، ولا تساوم لأجل أحد، ولا تتنازل لأجل أحد، ولا حتى أنا...

**********************************

يقال..على كلّ كلمة ملك..
وأقول..كلّ كلمة بدمعة، وكلّ دمعة فلك يسبح فيه الفؤاد حولك!

**********************************

"لو" كلمة ناقصة، لن تكتمل بحضورك!
"لو" حرفان أكرههما كثيراً، لكننّي إذ أجبر على استخدامهما في جملة مفيدة كمّا في حصّة اللّغة العربيّة في الصفّ التاسع، أقول..
"لو" أنّني أعيد كتابة القصّة، لمّا غيّرت شيئاً في التفاصيل، كنت فقط أعيد رسم وجه الحزن في النهاية، ليصير أكثر نقاء، أكثر نبلاً وجمالاً، وأقلّ حزناً بقليل!

********************************

قالت لي: أنتم هكذا معشر الكتّاب والمبدعين، لا أمل فيكم، تبحثون عن قصص حبّ مستحيلة لتتحطّموا على صخور قاعها، فتزيد قدرتكم على الإبداع..
أبتسم، وأسألها: وماذا لو كنّا على استعداد للمقايضة؟ كلّ هذا الإبداع والألم مقابل قصّة حقيقيّة واحدة، ونهاية سعيدة؟!
قالت: انتبهي جيّداً لمّا تتمنّين يا صديقتي..أحياناً تتحققّ الأحلام!

شرّدني الذعر في جملتها الأخيرة..جحظت الدهشة في فمي المفتوح،  وفتحت فاهها عن آخره في عينيّ الجاحظتيّن!

في هذه الحالة بالذات ربما أنا حقّاً أفضّل التوق للمستحيل، على الغفو في "جاكوزي" المستطاع..
وإن كان لا بدّ من الاختيار، سأختار الغيم السابح في السماء على القطن الأبيض في يدي...
كنت في زمن بعيد أقول..في داخلي بحر لم يجد شطآنه بعد...
واليوم أقول...في داخلي بحر_ربما_ لا شطآن له...

*****************************

كان يسوع يقول: "لا تظّنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً"...
وأنا كذلك...


توما
11-9-2011




الأربعاء، 7 سبتمبر 2011

...الملح إذ يفسد...


  
أصحو على رنّة هاتفي الجوّال بعد أن يهرب النوم مذعوراً من سريري، في منتصف المسافة بين الليل والنهار، في حالة تترنحّ بين الوعي واللاوعي..
أتخبطّ في طريقي نحو المطبخ، أريد أن أشرب كأس ماء، كأس ماء بارد يكفي ليضيء فييّ الحياة مجدّداً، ويمحو كوابيس المساء..

أغلي القهوة على النار، وأبعث دعوة أثيرية لروحك..وأصبّ لها فنجاناً، ولي فنجان...
لا تأتي، لكنّني أنتظرك...

ترى..أيجوز لي أن أكتب عنك، أنت الغائب الذي  لا زال يمرّ في أحلامي، فأشتعل قلقاً لا ينطفىء، ولا يجد من يدفن لهيبه..
أيجوز لي، أن أفكرّ أيّ حال أنت فيه، وأنسى أيّ حال مضيت أنت وتركتني فيه؟
أيّ منطق مجنون ذاك؟ أيّ غباء؟
يطول الحديث بيني وبيني، والعراك! نتعب، نجلس، نرتشف فنجان قهوتنا، نهدأ قليلاً، ثم نربتّ على ظهر بعضنا بعضاً، وألومك، فتلومني هي، ونبدأ العراك مجدّداً!

لا بأس، لكلّ شيء تاريخ انتهاء، والملح إذ يفسد لا تنفع حتى النيّة الطيّبة في إصلاح طعم حساء الذكرى المريب!
لا بأس، أنت لن تعود وأنا لا أريدك أن تعود كذلك، كلّ ما في الأمر، أنّي أريد أن أتوقّف عن القلق عليك كأنّي أمّك وكأنّك طفلي الذي أفلت يده للحظة فضاع منّي أو خطف!

وقتها، كان الهرب هو الحلّ الأسهل، والاستسلام للصمت، الغرق فيه، أيسر بكثير من مجرد احتمال المواجهة...والمواجهة لا تزال غولاً يؤرقنّي، وييقظني من النوم ليهمس في أذني، أنّ الهرب لم يكن حلاً، أنّ الهرب لن يكون حلاً في أيّ زمان! لكنّه كان كذلك وقتها رغم سخرية القدر الذي جعلنا نهرب في النهاية إلى ذات المكان!

كم يوماً مرّ مذ حدث ما حدث؟ تراك تعدّ الأيام وليالي القلق؟
لا بالتأكيد لا، ولا أنا..لكنّ الثقب الذي ظلّ في صدري يعلم تماماً أنّ ما من مساء مرّ بلا ألم، وما من صباح لم تكن فيه أنت الخاطر الأولّ..والخاطر الأخير...وفي بعض الأيام الخواطر التي في المنتصف أيضاً!

كيف أذكرك أنا التي لم تتوقفّ عن محاولة مسح بقعة الذكرى ولو للحظة واحدة، فاتسعت بدلاً من ذلك، وغطّت خيالها كلّه..
صدّقني أذكرك تماماً كما كنت تودّ لو أذكرك..أذكرك بصورتك الأفضل، والأجمل، والأكثر عذوبة وبراءة وصدقاً..ولن أقول عفوية، فتلك شيمة لطالما نقصتك!

وأعلم أنّك مثلي تحاول أن لا تذكرني، وتتأففّ إن مررت في خيالك أو نجحت في التسلّل عبر جدران نسيانك وإهمالك، تراني أنجح حقّاً؟؟
كيف تذكرني إذن؟ أتدكر شيئاً غير طعم مرارتي وخيبتي، وطعم انتصارك...

أيّ انتصار؟ أما كانت تلك خسارة جماعية في آخر الأمر، ومحض فوضى لم تنتهي!

اسمح لي أن أشرب فنجان قهوتك الذي برد، فأنت لن تأتي في كلّ الأحوال...وأنا لا يزال ليلي طويلاً، وعليّ أن أجد مبرّراً آخر للأرق سواك!

ليته الغضب، غضبي الفقير، قصير الأمد، العميل الخائن، لم يخذلني قي أولّ الطريق، ويختفي هكذا كألعاب نارية أضاءت السماء لوهلة ثم ابتلعها سواد الأفق..
كان الغضب عكازّي في غربتك، والفزّاعة التي تحمي حقل عبّاد الشمس في قلبي من فتك طيور الحزن المتأهبّة للانقضاض على وليمتها!

كم نهشتني الاحتمالات في غيابك..وأرجحتني الظنون...
ورغم تهرّبي من كلّ لقاء قد يجمعنا، كنت أتلفتّ يمنة ويسرة علّني أراك..تماماً كمدمن يصول ويجول بحثاً عن حبّة مخدّر تسكت ألمه!
وكم من بعد تلصصّت على خيالك، لأطمئن فقط أنّك بخير، وأنّني لثوان قليلة بخير كذلك!

أعلم أنّك بخير، وأنّ الحياة دوني ودونك ستستمر، بل استمرت ولم تتوقف ولو لدقائق..وأنّنا سنعتادها تماماً كم كنّا معتادين عليها قبل سؤاليّ الأولّ لك وسؤاليّ الأخير وما بينهما من قصص رويتها أنا وحدي لنا، وأنت غارق في الصمت تسمع ولا تسمع...
سنعتادها، ولا بدّ أنّك قد اعتدتها أصلاً منذ زمن بعيد...

كن بخير فقط، ودع لي ما لي من أوهام ومن قلق...

أيّ قلب كان لي، أيّ قلب كان لك..!



توما  
8-9-2011










الثلاثاء، 6 سبتمبر 2011

...علامة تعجّب...


  
عناوينك كلّها تنتهي بعلامة تعجّب..ونظراتك تغيب طويلاً في الدهشة! كأنّك لم تكبر أربعين عاماً منذ دهشتك الأولى لمّا باغتتك الممرّضة التي استقبلتك بعد انزلاقك السريع من جوف أمك بصفعة على قفاك! كأنّ حاجباك المرتفعان قليلاً عن مكانهما الطبيعيّ منذ صغرك، ظلا يرتفعان ببطء مستمر مليمتراً مليمتراً مع كلّ شمعة تضيفها إلى كعكة عيد ميلادك السنويّ…ترى ماذا يدهشك كلّ هذا الحدّ؟ كلّ هذا الأفق؟ كلّ هذه الأرض؟ وكلّ تلك العناوين المريضة بتوقها لجواب لا تجده؟

قلت لي يوماً: أنا عابر طريق فقط، سائح إن شئت على أرض روايتي التي أكتبها شهيقاً شهيقاً..

قلت لي: لا رشفة قهوة تساوي رشفة أخرى لا في اللون ولا في الطعم ولا في التركيز، ولو عارضتني بمنطقك البارد وبراهينك العلمية!

قلت لي أنّ حياتنا هنا كدوائر الدخان المتصاعدة من سيجارتك، ليس ثمة دائرتان توأمتان!

والتمعت عيناك، كما تلتمعان كلما أفلتت من بين شفتيك نفثة نارية تضيء مشروع قصة جديدة في بالك، أو مشروع جنون ما لم تروّضه العادة بعد…

تقترب بكرسيّك منّي، تقترب بشفتيك، فتدفىء أنفاسك اللاهثة وجهي..أتواطؤ مع المسافة الضئيلة التي تفصلنا، فلا أبتعد، ولا أقترب أكثر في آن معاً…

تبتسم، فأفهم مغزى ابتسامتك…تسخر من جبني، من كبريائي الزائف، ومن تمثيلي الرديء بعدم المبالاة!

أشيح بوجهي عنك نحو الباب المفتوح على الشرفة، وأتساءل إن كان هناك من طاولة فارغة هناك لننتقل إليها بدل الزاوية الصغيرة الحارّة التي تضيق علينا أكثر مع كلّ ثانية تقطع الهواء بيننا..

نحمل قهوتينا، ومعطفك الأنيق الذي جلبته لأجلي لا لأجلك، ونخرج إلى الشرفة.
أتنفسّ كمشة هواء بارد، فتفيض رئتاي بالامتنان..أغمض عينايّ وألقي برأسي إلى الوراء، أنسى للحظات أنّا معاً، وتنسى للحظات أنّي لست سوى فتاة عابرة على دربك، لن تطيل البقاء…

"ما اسمك؟" تباغتني بسؤالك الخارج عن المألوف بالنسبة لشخص يعرف اسمي جيّداً، ويحفظ كنيّتي، ولا يتردّد بمجاهرتي بسخريته من الكنيّة وقصتّها!
ثم لا تلبث أن تتدارك الجلبة التي أحدثتها في تعابير وجهي بإضافة جملة معترضة لسؤالك المشاغب..
"أقصد ما الاسم الذي تخاطبين به روحك لما تخلين لنفسك؟"
"أنا مثلاً أخاطبها بالمجدليّة!"

أعيد توجيه بقعة الضوء إليك بسؤالي..
"المجدليّة؟ أيّ رجل يلقبّ روحه بالمجدليّة؟"

قلت:
"بي من الحبّ ما يوازي أمواج الحبّ في قصتّها..ومن الحزن والشعور بالذنب على خطايا لم أقترفها!"

أقول:
"أسميّها (يلدا)"

قلت:
"أولّ ليلة في الشتاء؟"

أقول:
"وأطولها…"

قال:
"ما زال في العمر متسعّ للحزن يا صديقتي، دعينا اليوم نفرح بلا سبب!"

أجرّ كرسييّ قربك، وألتصق بك…
وللحظة تختفي الدهشة من عينيك، ويختفي من عينيّ القلق…

توما
6-9-2011

الاثنين، 5 سبتمبر 2011

…بلا خطيئة…




"ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"...

كان مثقلاً بالخطايا..لكنه قتلها على أيّ حال..
ربما لكي يخفي خطيئة تخجله بخطيئة لا تحطّ من قدره، بل قد تزيد منه في أعين هؤلاء الذين يشبهونه بدناءة لحمهم وعيونهم وقلوبهم!

لن ينقص الكون شيئاً في غيابها، ولن يتعكرّ وجه السماء..
لن يتأخرّ المطر عن موعده لأجلها، وسيزهر النرجس كما يزهر في كلّ عام...

هي لم تكن شيئاً منذ البدء، لم يكن يعرفها أحد، ولا يهتم بأحوالها أحد، لا حزنها يؤرّق الجيران، لا غضبها ييقظ الحيّ، ولا فرحها يزيد حبور أحد في البيت..
والآن فجأة صار يعرفها الجميع، الآن فجأة صارت شيئاً، شخصاً ما يحتلّ مساحة في الذاكرة،  صارت خبراً في جريدة، خبراً من عشرين سطراً، أو أقلّ قليلاً!
أنّى لها هي النكرة أن تصبح مشهورة هكذا؟! أنّى لها أن تزاحم أحداثاً تراها على شاشة التلفاز، هي صاحبة الحياة البسيطة المملّة المكررّة الأحداث أو الخالية من الأحداث تقريباً؟! أنّى لها أن يتحدّث عنها كلّ من في الحيّ، كلّ من في المدينة، كلّ من في الأنحاء الأربعة من البلد، وكثيرون آخرون من جهات مختلفة من العالم، بعضهم لا يعرف حتى لغتها، ولا أين يقع حيّها الصغير، وبيتها المتواضع!
أنّى لها أن يتحدّث عنها كلّ هؤلاء ويرسمون في خيالهم ملامحها...

وجه شاحب لفقر دم مزمن تعاني منه، هالتان من السواد حول عينيها تكبران عاماً بعد عام رغم صغر سنّها، شعر طويل أسود يلفّ وجهها بدفئه فيؤنس وحدتها، جسد ضئيل الحجم، نحيل كالخيزران، وبطن منتفخ بسرّ يكبر على مهل شهراً بعد شهر، تتوقف عليه النظرات للحظات، ثم تشيحان بعيداً في حالة من التجاهل واللامبالاة أو الإنكار إلى أجل مسمّى!

************************************

حين يصير "غير المهم" مهماً فجأة، ومن كان "نكرة" "معرفة" على حين غرّة، تسري قشعريرة زلزال في قشرة الأرض، وتتصدّع حالة السلام الزائفة التي ننقع أقدامنا فيها، فتتخدّر...

************************************
سيستمر القتل في وطني..سيستمر القتل..
ودم هؤلاء _ وهؤلاء هنا كلمة مؤنثة فقط _ سيبقى يلوّن أيادينا كالحنّاء الذي كان أجدر أن يلوّن أياديهن في ليالي فرح اخترنها بملء قلوبهن وإراداتهن...

وسيستمر الزنا في وطني، سيستمر..تلك الجريمة الأقبح في عين مجتمعي _ رغم أنّ خطايا أعظم لوّحت بها السماء منذ الحروف الإلهية الأولى لا تنال منه نفس التقبيح والتجريم _ لسبب لا أفهمه!
سيستمر.. سواء باسم حبّ ممنوع لم يفلح المنع في خنقه، أو باسم فضول طبيعيّ لم تروه همسات الأصدقاء، ولا حصة العلوم الوحيدة التي تمرّ على الموضوع مرور الكرام كأيّ موضوع ثانويّ آخر، ولا نظرات الآباء والأمهات الغاضبة لمجرد ذكره في حال تم ذكره عن براءة تامة أو جرأة تفوق الحدّ المسموح به وتعلو على حبل الغسيل المعلّق على حافة النافذة، أو باسم المغامرة، أو ضعف في الروح قبل الجسد، أو أو أو...

سيستمرّ كما يستمرّ كل مستور في الخفاء، كلّ ما لا نتحدّث عنه، ونهرب من مواجهته، ونخاف أن نلتقي به ولو مصادفة، ونعامله معاملة مرض خبيث قد يلمّ بالآخرين، لكنّه لا يمكن أن يصيبنا!

******************************

أتساءل هل الزنا حقّاً هو الجريمة الأبشع؟ ولماذا يتحوّل القتل والكذب والسرقة من جرائم خطيرة وخطايا كبيرة في لحظات أحياناً  إلى مواقف مليئة بالرجولة والشهامة والشرف؟ في الوقت الذي لا نقبل فيه مبرّراً واحداً لممارسة الحبّ من أجل الحبّ فقط؟
أتساءل هل الزنا فعلاً هو الجريمة الأكبر؟

وهل ما يحدث تحت "لحاف" الشريعة من "جنس" بين أجساد لم ترتبط قلباً وروحاً، ولم
يرتقي حوارها عن حوار أي كائنين تحرّكهما غريزتهما، "جنس" مقدّس؟

ألم نصل تلك المرحلة بعد في التطوّر والتحضّر الإنسانيّ الذي يرتقي فيها "الجنس" البحت بهدف التكاثر أو إشباع غريزة ملّحة ما إلى "تعبير حبّ" و"أسلوب تواصل" حميميّ بين قلبين جمعتهما اللهفة وتناغم بينهما النبض؟

أليس "فعل الحبّ" دون "حبّ" زنا أيضاً؟؟؟

فأيّ ازدواج للمعايير وأيّ نفاق وكذب يغرق فيه هؤلاء الذين يجبرون بناتهن على الزواج من غرباء، في الوقت الذي يقبضون فيه على أسلحتهم مستعدين في أيّ لحظة على إفراغ رصاصاتها في أجسادهن ولو بمحض شكّ أو ظنّ!

    توما   
5-9-2011