الأربعاء، 7 سبتمبر 2011

...الملح إذ يفسد...


  
أصحو على رنّة هاتفي الجوّال بعد أن يهرب النوم مذعوراً من سريري، في منتصف المسافة بين الليل والنهار، في حالة تترنحّ بين الوعي واللاوعي..
أتخبطّ في طريقي نحو المطبخ، أريد أن أشرب كأس ماء، كأس ماء بارد يكفي ليضيء فييّ الحياة مجدّداً، ويمحو كوابيس المساء..

أغلي القهوة على النار، وأبعث دعوة أثيرية لروحك..وأصبّ لها فنجاناً، ولي فنجان...
لا تأتي، لكنّني أنتظرك...

ترى..أيجوز لي أن أكتب عنك، أنت الغائب الذي  لا زال يمرّ في أحلامي، فأشتعل قلقاً لا ينطفىء، ولا يجد من يدفن لهيبه..
أيجوز لي، أن أفكرّ أيّ حال أنت فيه، وأنسى أيّ حال مضيت أنت وتركتني فيه؟
أيّ منطق مجنون ذاك؟ أيّ غباء؟
يطول الحديث بيني وبيني، والعراك! نتعب، نجلس، نرتشف فنجان قهوتنا، نهدأ قليلاً، ثم نربتّ على ظهر بعضنا بعضاً، وألومك، فتلومني هي، ونبدأ العراك مجدّداً!

لا بأس، لكلّ شيء تاريخ انتهاء، والملح إذ يفسد لا تنفع حتى النيّة الطيّبة في إصلاح طعم حساء الذكرى المريب!
لا بأس، أنت لن تعود وأنا لا أريدك أن تعود كذلك، كلّ ما في الأمر، أنّي أريد أن أتوقّف عن القلق عليك كأنّي أمّك وكأنّك طفلي الذي أفلت يده للحظة فضاع منّي أو خطف!

وقتها، كان الهرب هو الحلّ الأسهل، والاستسلام للصمت، الغرق فيه، أيسر بكثير من مجرد احتمال المواجهة...والمواجهة لا تزال غولاً يؤرقنّي، وييقظني من النوم ليهمس في أذني، أنّ الهرب لم يكن حلاً، أنّ الهرب لن يكون حلاً في أيّ زمان! لكنّه كان كذلك وقتها رغم سخرية القدر الذي جعلنا نهرب في النهاية إلى ذات المكان!

كم يوماً مرّ مذ حدث ما حدث؟ تراك تعدّ الأيام وليالي القلق؟
لا بالتأكيد لا، ولا أنا..لكنّ الثقب الذي ظلّ في صدري يعلم تماماً أنّ ما من مساء مرّ بلا ألم، وما من صباح لم تكن فيه أنت الخاطر الأولّ..والخاطر الأخير...وفي بعض الأيام الخواطر التي في المنتصف أيضاً!

كيف أذكرك أنا التي لم تتوقفّ عن محاولة مسح بقعة الذكرى ولو للحظة واحدة، فاتسعت بدلاً من ذلك، وغطّت خيالها كلّه..
صدّقني أذكرك تماماً كما كنت تودّ لو أذكرك..أذكرك بصورتك الأفضل، والأجمل، والأكثر عذوبة وبراءة وصدقاً..ولن أقول عفوية، فتلك شيمة لطالما نقصتك!

وأعلم أنّك مثلي تحاول أن لا تذكرني، وتتأففّ إن مررت في خيالك أو نجحت في التسلّل عبر جدران نسيانك وإهمالك، تراني أنجح حقّاً؟؟
كيف تذكرني إذن؟ أتدكر شيئاً غير طعم مرارتي وخيبتي، وطعم انتصارك...

أيّ انتصار؟ أما كانت تلك خسارة جماعية في آخر الأمر، ومحض فوضى لم تنتهي!

اسمح لي أن أشرب فنجان قهوتك الذي برد، فأنت لن تأتي في كلّ الأحوال...وأنا لا يزال ليلي طويلاً، وعليّ أن أجد مبرّراً آخر للأرق سواك!

ليته الغضب، غضبي الفقير، قصير الأمد، العميل الخائن، لم يخذلني قي أولّ الطريق، ويختفي هكذا كألعاب نارية أضاءت السماء لوهلة ثم ابتلعها سواد الأفق..
كان الغضب عكازّي في غربتك، والفزّاعة التي تحمي حقل عبّاد الشمس في قلبي من فتك طيور الحزن المتأهبّة للانقضاض على وليمتها!

كم نهشتني الاحتمالات في غيابك..وأرجحتني الظنون...
ورغم تهرّبي من كلّ لقاء قد يجمعنا، كنت أتلفتّ يمنة ويسرة علّني أراك..تماماً كمدمن يصول ويجول بحثاً عن حبّة مخدّر تسكت ألمه!
وكم من بعد تلصصّت على خيالك، لأطمئن فقط أنّك بخير، وأنّني لثوان قليلة بخير كذلك!

أعلم أنّك بخير، وأنّ الحياة دوني ودونك ستستمر، بل استمرت ولم تتوقف ولو لدقائق..وأنّنا سنعتادها تماماً كم كنّا معتادين عليها قبل سؤاليّ الأولّ لك وسؤاليّ الأخير وما بينهما من قصص رويتها أنا وحدي لنا، وأنت غارق في الصمت تسمع ولا تسمع...
سنعتادها، ولا بدّ أنّك قد اعتدتها أصلاً منذ زمن بعيد...

كن بخير فقط، ودع لي ما لي من أوهام ومن قلق...

أيّ قلب كان لي، أيّ قلب كان لك..!



توما  
8-9-2011










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق