الثلاثاء، 22 يناير 2013

...ورد يا ورد...



تتباطأ السيارة حتى تتوقف أمام الإشارة الضوئية الحمراء، نصف زجاج النافذة المفتوح يسمح بكرم لتيار هواء بارد أن ينفذ عبره، ويلاعب خصلات شعرها. تضع يدها على خدها، وتغمض عينيها المتعبتين من يوم عمل طويل لتتفيئا قسطاً من ظلّ الراحة.
تصحو على طرقات خفيفة على زجاج النافذة، تفتح عينيها، تفركهما لتزيل بلل حلم ترك نداه على وجهها. كان يقف هناك بوجه متسخ، وابتسامة عريضة.
بادرها بقوله: "ورد يا ورد؟" ومدّ يده عبر النافذة بوردة حمراء جورية.
بحثت عن مصدر الصوت الجهوريّ في جسد الصبيّ النحيل، فاجأتها عفويته، وجرأته في اقتحام خصوصيتها، لكن أكثر ما فاجأها كانت تلك الوردة الجورية الحمراء.
"حدا ببيع ورد هالأيام يا ولد؟ حدا معو يشتري خبز بالأول تيشتري ورد؟" تقول للفتى.
تتسع ابتسامة الفتى أكثر، ويجيب بلمحة بصر:
"بس يا آنسة الورد ما بنشرى، الورد بينهدى..هاي الوردة إلك بس خلّينا نشوف ضحكتك!"
ويترك الصبيّ الوردة تسقط من يده في حضنها، ويهرب مبتعداً...
تبتسم الفتاة، ولا تزال تبتسم...
توما
22-1-2013

الثلاثاء، 15 يناير 2013

...لا تغضب...



منك تعلّمت أنّ الفلاح الجيّد يتنبأ بأوان نضج الثمر في حقله، كلّ ثمرة لها ميعاد، وكلّ زهرة تتمهلّ لحين يكتمل عطرها ولونها فتأتي يد لتقطفها..
لذا كفلّاحة صبورة، أتأنّى، أستمع لهمس الشجر يوشوش بعضه البعض، أتهجّى حبر الورق الأخضر، أزن الريح التي تتثاقل إذ تعصف تحت الحرف ثم تحمله وتطير إلى حرف آخر فآخر فكلمة..وأصمت في الأثناء..أصمت لأستمع لصوت معولك وهو يحفر عميقاً في أرضي..وأتساءل عن أيّ كنز تبحث؟!
تقول لي:"أخاف عليك منّي.."
وأقول في سرّي:"بل أخاف عليك منّي..أيّ هاوية تريد أن تقع فيها؟ وأيّ سفح تريدني أن أقفز عنه؟"
أيجتمع الضّدان فينا، أيوقدان ناراً مشتركة ويميلان على كتفيّ بعضهما البعض ويستدفئان معاً كغريبيين وحيدين التقيا في سفر؟
وهل يهطل المطر، هل يهطل المطر من كذباتنا البيضاء؟
****************************
لا أقول لك أنّي لا زلت أبحث عنّي، فكيف ستجدني أنت..
لا أقول ما أشدّ غرورك إذ تظّن أنّي سأذوي بلمسة يد وقبلة مسروقة!
لا أسأل بأيّ عين تراني، تلك التي تلمع فيها نظرة شرّ أحبّها، أم الأخرى التي تلمع على حياء بنظرة خجل؟
وأتردّد في البوح بأنّي للمرة الأولى تغويني فكرة أن أكون تجربتك  وأن تكون تجربتي العابرة_غير العابرة على الإطلاق..
هل يجدر تسمية ما يحدث في لحظة التقاء حجري صوان معاً تجربة "عابرة" فقط؟ أليست تجربة مضيئة _أيضاً _على الأقل؟
*********************************
أراقبك من بعد، تلهث كأنك تركض في ماراثون أنت الكسول الذي لا يركض على أرض أبداً، تتقلّب يمنة ويسرة تارة قلقاً وتارة ألماً وتارة أخرى عجزاً عن استيعاب فرح ما انفجر في يدك كبالون، تبحث عن دودة قز، عن آلهة وشياطين، تتعارك مع الهواء، تطارد أشباحاً تسكن فيك، تقلب الحصى الممّددة على رمال روحك حتى تجد الصبيّ الذي كنته منذ زمن بعيد ..أو تجد طريقاً مختصرة إلى الجنّة..
تخز نفسك بجرعة من الكلمات تأخذك إلى معنى يشبه المعنى الذي تريده، ولقليل من الوقت تهدأ، تستكين فراشات قلبك، وينثر الصمت بياضه على خيالك، فتنام، كطفل رضيع ارتوى مؤقتاً من ثدي أمه..
أرافقك أو أتركك ترافقني من أرض القصيدة والخيال إلى الواقع الغنيّ بتفاصيله المجرّدة، وأشاهد كـأيّ متفرّجة محايدة كيف تختار أشياءك البسيطة أو تختار لي أشيائي البسيطة، كيف تبحث عيناك عن الأفضل فتجده، ولا تساوم على ما تستحق، فأبتسم للحظة لما أجدني قربك!
ثم للحظة أخرى أفزع وأجزع وأنا أتخيّل موج الرحيل الشقيّ الوقح يرشقني بملحه مجدّداً..
لذا سيدي..
معك بالتحديد، لا أريد أن أفعل ما أفعل مع باقي الرجال...
لا أريد أن أقع في الحبّ، أريد فقط أن أتعلّق بجناحيك وأطير إلى الأعلى، ولمّا يتعب الهواء من حملنا معاً، سأنزل على غيمة، وأترك لك ما تبقّى من السماء...
فلا تغضب...

توما
16-1-2013