السبت، 31 مارس 2012

...مشي وأشياء أخرى...



أخرج لأمرن خيالي على المشي قليلاً...
أحشو سماعتيّ ال"هيد فون" في أذني، أستمع لراديو "البلد" 92.4، الراديو الأردني الوحيد الذي يتوافق مع ذوقي الموسيقي، وإلى حدّ ما، السياسي والاجتماعي أيضاً!
قدماي تنشغلان في حوار منسجم أحياناً، ومحتدّ أحياناً أخرى مع طرقات المدينة المنسابة بسلاسة حيناً، والملغومة بالحفر والمطبات حيناً آخر...
الوقت، محتار بين عصر أو مغرب، نظراً للتوقيت الصيفيّ الجديد، الذي لا مفرّ آخر سوى الاعتياد عليه..
السماء صافية، مائلة للحمرة قليلاً، وتسبح في سكون أبديتها بلا اكتراث للفوضى المشتعلة تحتها فوق الثرى..
وأنا، أمشي وأمشي وأمشي، أفرغ جيوبي من الأفكار على جانبيّ الطريق، أنزل الهموم عن كتفيّ، همّاً همّاً، وأصطاد الأحلام المتهادية في الأفق حلماً حلماً..
أنسى أحياناً أني أتقاسم الشارع مع سيارات متهورة، لا تراني في كثير من الاحيان، فنكاد نصطدم ببعضنا لولا إسهاب متعمّد للثواني القليلة التي أقفز فيها على الرصيف في لحظة حاسمة!
 أستمر في المشي..لا أريد أن أصل..ففي النهاية ليس ثمة مكان أريد الوصول إليه، وليس ثمة معنى للوصول وحدك..
يقطع سرب من معدّات ثقيلة مليئة بأفراد من الأمن العام، وأفراد العمليّات الخاصّة، متوجه نحو الدوار الرابع، شرودي..العشرات من رجال الأمن العام، كانوا منتشرين في الشوارع المؤديّة إلى ذات المكان كذلك.. همست لنفسي "كلّ هذا الجيش لفضّ اعتصام!" أو ربما  "لحماية" المعتصمين من ردود أفعال المواطنين الصالحين الغيورين على مصلحة الوطن!
أحثّ خطاي مبتعدة عن كرنفال الديقراطية ذاك، وأرفع صوت الموسيقى والأغاني المندلعة في أذنيّ..لا أسمع أيّاً من ضوضاء الخارج المحيط بي، لا زوامير السيارات، ولا التعليقات الحضارية وغير الحضارية التي يلقيها بعض المارة العابرين في طريقي..
أدندن مع المغنّي.."لو شربوا البحر، أو هدوا السور، لوسرقوا الهوا، أو خنقوا النور، ما ببيعا لعكا بالدنيا كلها..وما ببدل حارتي ولا بقصور.."..التي لا أعرف من يغنّيها، ولا أعرف صاحب كلماتها..لكنّي أحبّها بكلّ ما فيها، لحناً وكلمة وإحساساً ووقعاً!
أتوقف بمتجر لبيع الأفلام، أقلّب بضعة منها بين يديّ، أختار اثنين، وأمدّ يدي بثمنهما للبائع، الذي يشكرني بلكنة سورية واضحة..ثم أتوّجه إلى متجر آخر لأبتاع رصيداً لهاتفي النقّال، فأكتشف أنّ البائع سوريّ أيضاً..لا أتعجّب، فلطالما كانت الأردن عموماً، وعمّان خاصة، ملجأ ومحطة انتظار لضحايا النزاعات المدنيين العرب على اختلاف جنسياتهم، وليس من الغرابة في شيء، أن تدخل إحدى المولات، فتستمع للهجة عراقية إلى يسارك، ولهجة ليبية إلى يمينك، وسورية خلفك، فتبتسم، وتلتزم بالصمت تعليقاً على الموضوع!
ترى، متى يلتمّ شمل كلّ بلاد بأهلها؟ ومتى يكفّ الناس عن الهرب مضطرّين في سبيل حياتهم وحياة عائلاتهم؟ متى ينتهي كلّ هذا الخوف؟
ومتى نبدأ  تهجّي أبجديات الحياة، وننهي المراجعة الألف لفصول الموت على امتداد صفحات جغرافيا الوطن العربيّ الكبير؟!
أوقف التوغّل في التساؤل أمام حاجز وهميّ، يفرضه خيالي كلّما خنته مع الواقع في "كزدورتنا" الورديّة الأهداف!
قدماي المتعبتين، تعلنان إفلاسهما، وتصّران على العودة إلى البيت، لتتمدّدا بكسل على الكنبة الطويلة أمام التلفاز، فتكتشفان، أنّ ثمّة مدينتان داخل المدينة..مدينتان لهما خصائص مناخية مختلفة، وطقسان ..
هكذا تقول النشرة الجوية، على قناة  رؤيا الفضائية، فثمة عمان الشرقية، وثمة عمان الغربية، ولكلّ منهما درجات حرارة متوقعّة مختلفة غداً..
ترى أين الحدّ الفاصل بين المدينتين، ومتى سيتعرّف سكّان كلّ مدينة منهما، إلى جيرانهما في المدينة المجاورة؟ ومتى يصبح للمدينتين، درجات حرارة متساوية، وطقس واحد لا طقسان!
مرّة أخرى، يضع خيالي حاجزاً وهمياً وحدّاً للتوغّل أكثر في أسئلة مرّة الطعم وآسنة الرائحة!
فأعيد وضع سماعتيّ "الهيدفون" في أذنيّ، أغمض عينيّ، وأغنّي مع أميمة:
"شدّي عليك الجرح وانتصبي..."

توما
1-4-2012