"ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"...
كان مثقلاً بالخطايا..لكنه قتلها على أيّ حال..
ربما لكي يخفي خطيئة تخجله بخطيئة لا تحطّ من قدره، بل قد تزيد منه في أعين هؤلاء الذين يشبهونه بدناءة لحمهم وعيونهم وقلوبهم!
لن ينقص الكون شيئاً في غيابها، ولن يتعكرّ وجه السماء..
لن يتأخرّ المطر عن موعده لأجلها، وسيزهر النرجس كما يزهر في كلّ عام...
هي لم تكن شيئاً منذ البدء، لم يكن يعرفها أحد، ولا يهتم بأحوالها أحد، لا حزنها يؤرّق الجيران، لا غضبها ييقظ الحيّ، ولا فرحها يزيد حبور أحد في البيت..
والآن فجأة صار يعرفها الجميع، الآن فجأة صارت شيئاً، شخصاً ما يحتلّ مساحة في الذاكرة، صارت خبراً في جريدة، خبراً من عشرين سطراً، أو أقلّ قليلاً!
أنّى لها هي النكرة أن تصبح مشهورة هكذا؟! أنّى لها أن تزاحم أحداثاً تراها على شاشة التلفاز، هي صاحبة الحياة البسيطة المملّة المكررّة الأحداث أو الخالية من الأحداث تقريباً؟! أنّى لها أن يتحدّث عنها كلّ من في الحيّ، كلّ من في المدينة، كلّ من في الأنحاء الأربعة من البلد، وكثيرون آخرون من جهات مختلفة من العالم، بعضهم لا يعرف حتى لغتها، ولا أين يقع حيّها الصغير، وبيتها المتواضع!
أنّى لها أن يتحدّث عنها كلّ هؤلاء ويرسمون في خيالهم ملامحها...
وجه شاحب لفقر دم مزمن تعاني منه، هالتان من السواد حول عينيها تكبران عاماً بعد عام رغم صغر سنّها، شعر طويل أسود يلفّ وجهها بدفئه فيؤنس وحدتها، جسد ضئيل الحجم، نحيل كالخيزران، وبطن منتفخ بسرّ يكبر على مهل شهراً بعد شهر، تتوقف عليه النظرات للحظات، ثم تشيحان بعيداً في حالة من التجاهل واللامبالاة أو الإنكار إلى أجل مسمّى!
************************************
حين يصير "غير المهم" مهماً فجأة، ومن كان "نكرة" "معرفة" على حين غرّة، تسري قشعريرة زلزال في قشرة الأرض، وتتصدّع حالة السلام الزائفة التي ننقع أقدامنا فيها، فتتخدّر...
************************************
سيستمر القتل في وطني..سيستمر القتل..
ودم هؤلاء _ وهؤلاء هنا كلمة مؤنثة فقط _ سيبقى يلوّن أيادينا كالحنّاء الذي كان أجدر أن يلوّن أياديهن في ليالي فرح اخترنها بملء قلوبهن وإراداتهن...
وسيستمر الزنا في وطني، سيستمر..تلك الجريمة الأقبح في عين مجتمعي _ رغم أنّ خطايا أعظم لوّحت بها السماء منذ الحروف الإلهية الأولى لا تنال منه نفس التقبيح والتجريم _ لسبب لا أفهمه!
سيستمر.. سواء باسم حبّ ممنوع لم يفلح المنع في خنقه، أو باسم فضول طبيعيّ لم تروه همسات الأصدقاء، ولا حصة العلوم الوحيدة التي تمرّ على الموضوع مرور الكرام كأيّ موضوع ثانويّ آخر، ولا نظرات الآباء والأمهات الغاضبة لمجرد ذكره في حال تم ذكره عن براءة تامة أو جرأة تفوق الحدّ المسموح به وتعلو على حبل الغسيل المعلّق على حافة النافذة، أو باسم المغامرة، أو ضعف في الروح قبل الجسد، أو أو أو...
سيستمرّ كما يستمرّ كل مستور في الخفاء، كلّ ما لا نتحدّث عنه، ونهرب من مواجهته، ونخاف أن نلتقي به ولو مصادفة، ونعامله معاملة مرض خبيث قد يلمّ بالآخرين، لكنّه لا يمكن أن يصيبنا!
******************************
أتساءل هل الزنا حقّاً هو الجريمة الأبشع؟ ولماذا يتحوّل القتل والكذب والسرقة من جرائم خطيرة وخطايا كبيرة في لحظات أحياناً إلى مواقف مليئة بالرجولة والشهامة والشرف؟ في الوقت الذي لا نقبل فيه مبرّراً واحداً لممارسة الحبّ من أجل الحبّ فقط؟
أتساءل هل الزنا فعلاً هو الجريمة الأكبر؟
وهل ما يحدث تحت "لحاف" الشريعة من "جنس" بين أجساد لم ترتبط قلباً وروحاً، ولم
يرتقي حوارها عن حوار أي كائنين تحرّكهما غريزتهما، "جنس" مقدّس؟
ألم نصل تلك المرحلة بعد في التطوّر والتحضّر الإنسانيّ الذي يرتقي فيها "الجنس" البحت بهدف التكاثر أو إشباع غريزة ملّحة ما إلى "تعبير حبّ" و"أسلوب تواصل" حميميّ بين قلبين جمعتهما اللهفة وتناغم بينهما النبض؟
أليس "فعل الحبّ" دون "حبّ" زنا أيضاً؟؟؟
فأيّ ازدواج للمعايير وأيّ نفاق وكذب يغرق فيه هؤلاء الذين يجبرون بناتهن على الزواج من غرباء، في الوقت الذي يقبضون فيه على أسلحتهم مستعدين في أيّ لحظة على إفراغ رصاصاتها في أجسادهن ولو بمحض شكّ أو ظنّ!
توما
5-9-2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق