أحن لعلاقات الطفولة الساذجة، تلك التي كنا نتخاصم فيها ونتصالح بعناق سبابتين حيناً أو خنصرين حيناً آخر..ونتمسك فيها بموقفنا في المحبة أو البغض من الآخرين، رغم كل محاولات الكبار الراشدين في إجبارنا على تغيير مواقفنا أو إعادة النظر في مشاعرنا نحوهم..تلك التي كان الصديق فيها منطقة محرّمة، نحامي عنها كأننا نحامي عن أنفسنا، ونتواطىء معها حتى في الخطأ أحياناً، ونتستر، ونصمت، وقد نكذب أحياناً لأجل أن لا تخدش، أو تجرح من أي كان! وتلك التي كان فيها العدو واضحاً، غير قابل للتأويل، والمشاعر المعادية صريحة لا تسترها أقنعة الرياء، ولا تجد المحاباة لها فيها موقعاً ولا حتى لأجل مكاسب محتملة، أو خوفاً من تبعات
غير مرغوب فيها...
أحن لتلك الطهارة، والبراءة، والفطرة والشجاعة في التعامل...
أحن لتلك المتع الصغيرة، للركض حتى التعب، لتسلق شجرة الكرز في الحديقة، للقفز عن سور الجيران وسرقة ما يمكن سرقته من طوب متناثر لبناء البيت الساكن خيالنا المجنون والذي سيقع على ظهورنا آخر الأمر، ويورطنا في المتاعب مع الأهل، للعبة الغماية، وصياد سمك، ونط الحبلة، وأغاني ريمي بندلي، والأيدي المتسخة بالتراب، والملابس المبقعة بألوان مثلجات "الأسكيمو" الحمراء، وللقصص الخيالية، ولمسلسلات الكرتون التي كان يمكن فيها ل"عدنان" تحقيق المعجزات بإصبع قدمه الكبير فقط من أجل عينيّ "لينا"، وكان يمكن فيها لدمعة على خدّ "ريمي" أو "ساندي بيل" أن تبكينا، ولشهقة في "صاحب الظلّ الطويل" أن تكبت أنفسنا لثوان طويلة، ولعراك في "جزيرة الكنز" أو مغامرة في "السندباد" أن يستحوذا على كامل حواسنا!
أحن لتلك البساطة...وتلك الرغبة والشغف في ممارسة الحياة، واستنفاذ كل يوم حتى آخر قطرة عسل فيه، حتى آخر شعاع نور، دون توقعات من اليوم الذي يليه...
أحن لتلك السعادة، لذاك الفرح بكلّ اكتشاف خطير يكشف لنا عن نفسه، بكلّ عطية متواضعة تبدو كأنها أغلى ما في الكون في تلك اللحظة، بكلّ ساعة إضافية ننجح فيها بمماطلة أهلنا لنتأخر في النوم، بكلّ انتصار ساحق على جحر نمل وجدناه مختبئاً تحت صخرة، بكلّ خدش جديد على الركبة او الكوع أو الجبين، بكلّ مرة نعود فيها لبيوتنا مبللّين بالمطر وملوثين بالوحل غير عابئين بالعقاب الذي سينزل علينا من أمهاتنا، بكلّ مرة نفلت فيها من حلّ الواجب المدرسيّ، ومن غضب الجدّ الذي سطونا على شجرة المشمش المفضّلة لديه والتي يعرف تماماً عدد حباتها!
أحن لحجة مغص الصباح الفاشلة في معظم الأحيان، وللمقالب اليومية لإثارة الذعر في نفس أحد الكبار ومن ثمّ الضحك على سذاجته!
لعزف بائع شعر البنات، وتفاحات البنّور الحمراء المغطّاة بالسكر، وأكواز الذرة الصفراء المسلوقة في طاسة عميقة، ول"راس العبد"، ولعروسة اللبنة أو الزيت والزعتر، وللطائرات الورقية، والكرات الزجاجية الملّونة المتفاوتة الأحجام والأسعار بين "الشلن" و"العشر قروش"، و"السحبة" التي تخسر فيها أكثر مما تربح، ولتلك الأيام التي كنّا نلهو فيها أكثر مما تلهو فينا!
أحن لمهرجان الطفولة الملون كقوس قزح!
توما
3-9-2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق