الأحد، 11 نوفمبر 2012

...برك وحل، فقط!...




  
الحقيقة أنني منذ مدة قاطعت الموت على شاشات الأخبار الحمراء، وقررت أن أغمس عقلي وجسدي في تفاصيل الأيام الصغيرة، التفاصيل التافهة السطحية ربما _ الأكثر صدقاً بطريقة ما، لكنني لا أجد مفراً من أن أقلق على سوريا، لا لأجل عيون سوريا أو عيون السوريين بالدرجة الأولى، بل لأنّ لي أصدقاء يرفضون مغادرتها هناك، ويصرّون على البقاء رغم التهديد اليومي والخطر على حياتهم ومستقبلهم، وإذا اختفوا لعدة أيام دون خبر يطمئنني يحاصرني القلق، ويخنقني احتمال فقدان صديق آخر على قوائم القلب!
ولا أقلق على غزة، ولا يجافيني النوم قلقاً عليها، لكنني لم أجد مفراً من معرفة أخبار القصف عليها من ال"ستاتسات" الرنّانة الطنّانة على صفحات الفايسبوك، فما كان يحدث على أرض غزة وسماء غزة سيتكرر حدوثه مجدّداً اليوم وغداً وبعد غد، وفي الفترة التي ستعود الحياة فيها إلى طبيعتها غير الطبيعية في غزة سنكون قد نسينا الأمر، ونسينا العدّ، عدّ الشهداء الذين سقطوا، وفقدنا الذاكرة مجدّداً، فلكي نتذكر غزة، على غزة أن تقصف وتدمر وتتحممّ بالدم عارية على الشاشات علّها تثير انتباهنا، في الوقت الذي ليس على أيّ مغنّ هابط سوى فتح زرّين من قميصه على المسرح ليستحوذ على اهتمام حواسنا!
الواقع، أنّنا ولن أتطرّف في الحكم علينا جميعاً، ففي حزن وقلق وكلمات البعض صدق ما، لكنّ كثيرين منّا (وأنا منهم!)، ليسوا في التقوى بأفضل من مصّوري الفضائح الراكضين، المتسابقين، ليلتقطوا الحدث البشع والمنبوذ والمستهجن في وقت حدوثه، وينالوا سبقاً ما، ويعدّوا لايكاتهم على صفحاتهم الفيسبوكية، وحيواتهم الإلكترونية، فيما تنشغل المدن المنكوبة في عدّ جثثها...
ثمة علاقة طردية بين عدد الجثث وعدد اللايكات دائماً
وثمة علاقة طردية بين تفاهاتنا وكذبنا وسطحيتنا وحجم كلماتنا
وثمة علاقة طردية بين الصوت والصدى الذي يعيد نفسه فقط، ولا ينقل حجراً واحداً من مكانه!
نعم، أنا مجرد فتاة سخيفة، لا تريد إعادة تدوير قدرتها اللغوية في الحديث عن ما لا تعمل لأجل تغييره حقّاً على أرض الواقع...
أنا مجرد فتاة عادية جدّاً، همومها صغيرة، وأنانيّة، ولا يقلقها حقّاً ولا يحزنها حقّاً سوى أنّ كلّ هذا المطر يهطل في الخارج ويرتطم بالإسفلت ويصير برك وحل كبيرة، برك وحل فقط...
تماماً كما يهطل الحبّ في قلبها، ويرتطم بجفائك، ويصير برك وهم كبيرة، برك وهم فقط!

توما
11-11-2012


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق