"فزعة" كلمة متداولة في الشارع المحلّي على صعيد واسع، وتعني "الهبّ لتقديم المساعدة إذا طلبت"، وللفزعة في وطني سيناريوهات لا تنتهي...
فلا يمرّ حادث على طريق إلا وتتوقف كلّ السيارات العابرة وكلّ المشاة ليفزعوا لضحايا الحادث بإخراجهم من سياراتهم، إيصالهم إلى المستشفيات، طلب مساعدة رجال الدفاع المدني أو الشرطة،
أو محاولة إسعاف ضحايا الحادث بما أوتي من قدرات، أو الإصلاح بين طرفيّ الحادث وتهنئتهم بالسلامة، أو ما إلى ذلك...
ولا تحاول فتاة ركن سيارتها في إحدى الشوارع أو الزوايا إلا ويفزع لها كلّ الشباب المراقبين لعملية الاصطفاف، بعضهم يوجهها بإشارات من يده، وبعضهم يعرض عليها أن يوفّروا عليها التعب متبرّعين بوقتهم وجهدهم الشخصيّ ليركنوا لها السيارة بأنفسهم، وآخرون يهللّون مشجعين من بعيد كلما اقتربت المهمة الشاقة من الانتهاء بنجاح!
وهناك فزعات أخرى في أوقات الأفراح وأوقات الأحزان، فتجد الجميع يدلي بدلوه في مسائل من المفترض أنّها شخصية، ولكنّ لأنّ الخصوصية والحريّة الفردية في مجتمعنا تعتبران مفاهيماً غربية ودخيلة علينا وهدفها إفساد أخلاقنا العامة وتحطيم ركائن مجتمعنا، تجد الجميع يهبّون للحفاظ على رزانة واستقامة وتديّن الضمير العام، مقدّمين في ذلك المصلحة العامة على المصالح الشخصية الصغيرة...
والفزعات لها مكانها حتى في المستشفيات، فإذا رفع مراجع ما صوته معترضاً على قرار طبيّ ما، تجد الجميع من حوله يفزعون له بأصواتهم الخشنة والناعمة في زوبعة صوتية تعصف في وجه الطبيب الذي يظنّ_على رأي المراجع الكريم_أنّ المستشفى "مستشفى أبوه" فيدخل إليه من شاء من مرضى أو حالات مرضية، ويحرم من شاء من الدخول بحجّة أنّه لا يتوفّر أسرّة!
و"الفزعات" تتوزّع على عدة مستويات، فمن المستوى المحلّي الضيّق خاصة على صعيد "طوشات الشوارع"، إلى المستوى الإقليمي على شكل إطلاق الحناجر إستنكاراً على عدوان ما على إحدى الدول الشقيقة وبعث المساعدات التي تعلق دائماً في المناطق الحدودية وإذا وصلت تسهم في الدعم الشكلي والمعنويّ من باب "رفع العتب" عنّا، فالمستوى العالمي أخيراً المتمثّل في قوات سلام تعمل ليلاً ونهاراً على نشر السلام والمحبّة وحفظ الأمن في ساحل العاج وهاييتي وليبيريا والعالم كلّه، ونحن بصدد إطلاق حملة "فزعة كونية" كمبادرة استثنائية وتعدّ الأولى من نوعها على مستوى المجموعة الشمسية!
"فزعة" كلمة عشوائية جدّاً، لا مكان فيها لنظام، أو زمام عقل، ولا بعد لها أكثر عمقاً من ردّ فعل غير مدروس...
وآخر ما يحتاجه الوطن الآن هو "فزعة" من هذا القبيل..."ما بدنا فزعات، بدنا إنجازات"...
الوطن بحاجة إلى نسمع بعضنا البعض بمحبة واحترام متبادل، أن ندافع عن حقّ بعضنا في إبداء آرائنا، لا أن نفترض أنّ على أبناء الوطن جميعهم أن يفكرّوا بطريقة واحدة ويهزّوا رؤوسهم موافقين على كلّ ما تقوله جهة معيّنة هنا أو هناك وأنّ كلّ من يخرج عن المألوف وكلّ من يعبّر عن رفضه لممارسات معيّنة أو عدم موافقته على أفكار أو طرق تنفيذ معيّنة هو خائن، وصاحب أجندات خارجية! من المفترض أن تعددّ الآراء يسهم في إيجاد حلول أكثر للمشكلات التي تواجهنا، ويسهم في تقدّم الأمم لا في تأخرّها، ولا يعتبر خيانة ولا تآمراً بأيّ حال من الأحوال! ولا أعتقد أنّ الوطن يوافق بأيّ حال من الأحوال أن يتعامل أحد أبنائه مع أخيه بطريق همجية، غير حضارية، مهما كانت اختلافات الرأي بينهما عميقة، ولا أعتقد أن الوطن تهلّل ب"فزعة" شرطي سير لرجال الأمن بأن ضرب مواطناً متظاهراً ب"منقل" أتساءل أين وجده، وكيف خطر على باله باستعماله كسلاح!
لا أحد ينكر مدى الجهد الذي يبذله رجال الأمن للحفاظ على استقرار الوطن، ولأن الحقيقة لا تحتاج لمن يقدّمها على مسرح، ولا تحتاج لمن يلمّعها كأنّها حذاء، ولا تحتاج أن يقيموا لها مهرجانات في الشوارع، ولأن "الأمم تصنع تماثيل كبيرة للأشياء التي تفتقدها أكثر"، على مفهوم "الفزعة" العشوائي، القصير النظر، الانفعالي البحت، أن ينحصر في "فزعات" "جارات إم محمد" ل"إم محمد" في تحضير وليمة ل"محمد" العائد في إجازة صيفية قصيرة إلى حضن أمه، قبل أن يغادره مجدّداً إلى غربة منحته حياة لائقة وكريمة لا يضطرّ معها إلى الاستدانة آخر الشهر من جيرانه ومعارفه كي يؤمّن احتياجات داره المتواضعة، لكنها سرقت في المقابل من قلبه نور قلبه ومن عينه وجه أمه!
توما
21-7-2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق