الجمعة، 8 يوليو 2011

...بتحسّ بالعربي...



أنا لست مواطناً غنياً، ولا ابن رجل يشغل منصباً سياسياً أو مركزاً اجتماعياً مهماً، ولا أنتمي لعائلة معروفة أو عشيرة كبيرة على الأقل ليس هنا!
هنا أنا لا زلت لاجئاً غريب الجذور...هنا أنا لا زلت مواطناً من الدرجة الثانية أو الثالثة أو ما دون...
هنا أنا الذي ولدت في هذه الأرض، وظننتها وطني، أو حاولت أن أنتمي بكلّ عقلي وروحي وجسدي، أنام كل يوم على خيبة أمل...
هذه الأرض لا تريدني، ولا تريد جيناتي، ولا أحلامي...هذه الأرض لا تريد حتى أبناءها الذين نبتوا فيها أباً عن جد! هذه الأرض تريد الغرباء فقط، الغرباء عنها، تريد دماء باردة زرقاء، وتنبذ دماءنا الحمراء الحارّة! تريد ألسنة أخرى "ما بتحكي عربي" ولا "بتحسّ بالعربي"، لا تغضب ولا تثور، ولا تتمرّد، ولا تكفر بالظلم، ولا تفتح فمها إلا ثغاء! هذه الأرض تريد أن تغيّر ثوبها، وترتدي ثياباً أجنبية، بلا هوية..تريد أن تنسى أنها تنتمي لما هو أكبر منها، أنها عضو من جسد أكبر، أكثر شمولية! هذه الأرض تريد أن توجعني وتوجعني وتوجعني فقط!
آه، يا وطناً وضعت رأسي عليه كي أغفو، فإذ بي أغفو على حجر...
آه، يا وطناً يهوى من يتملقونه فقط، من يبيعونه في الليل على طاولات القمار، من يهتكون عرضه في عزّ النهار، ولا يغار على النفوس الحرّة التي تسكنه، لا يخاف على أبنائه المتناثرين على الإشارات ليشحدوا بلا كرامة شيئاً من كرامة!
إلى متى، ستبقى تغطّي سماءك بمظلة من معايير مزدوجة، من قوانين طارئة تفسرّ في ضوء الأحداث وعلى حسب أهواء عابرة لأسياد مليئين بالفساد، الفساد فقط!
إلى متى "يا أرضاً عشقناها"، ستوصدين الباب في وجه عشّاقك الصادقين، المدمنين على حبّك، وتفتحين ألف باب آخر_دون مواربة_لمن يخونونك في العلن على العلن!
إلى متى، يا من حفظنا نشيدك الوطني، وسلامك الملكيّ، ورددناه كل صباح في طابور المدرسة، تنتصرين لمن لوثوا بدناءتهم شرفك وعزّك، وتضيعين وقتك ووقتنا في ملاحقة أطراف أذيال لا تستدير يمنة أو يسرة دون توجيه من رؤوس أعلى! أذيال كلما قطعتها نبتت مكانها أذيال أخرى؟!
أيا أرض العزم، أغنية الظبى، أين خبأت سيفك؟ أين_يا وردة_شوكتك؟أين صوتك الذي كان يدّوي من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب مدافعاً عن الحقّ؟!
وطني، أين أهرب منك؟ من غضبك؟ من غضبي عليك؟
وطني، كن وطني..كن أمي، وأبي..كن أهلي!
وطني، لا تخني، لا تخن من أحّبوك حقّاً، من يغارون عليك، من يرون ترابك تبراً، وهوائك نسيماً هارباً من الجنّة، وبعدك لا أرض بعدك ولا وطنا!
وطني، أنا منك، وغيرك لم أرى بلداً، فلا تتركني كالغريب بلا مأوى، ولا تشح بوجهك عني، أنا مثلي مثل أيّ مواطن آخر يسكنك، له عشيرة أو قبيلة تحرسه، واسمه، ينتهي اسمه بتاء مربوطة أو ياء، وأبوه أو عمه أو خاله أو أخوه أو ابن عمه يشغل منصباً ما في الحياة السياسية أو الاجتماعية، وله من المال ما يغفر ذنوبه كلّها، ويرفع مقامه من ذليل وخائن إلى شريف، أنا مثلهم، أيضاً، أخاف، أخاف عليك من سوء الصيت وسوء المصير، بل أخاف عليك أكثر منهم، لأني لا أملك ما هو أغلى منك لأخاف عليه!

مواطن من الدرجة الثانية
8-7-2011 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق