السبت، 16 يوليو 2011

...أعلى النهر...



ينقر مربعات الكيبورد، يكتب: لماذا أحسّ أني أعرفك منذ زمن بعيد؟
تجيب: ربما لأنك تعرفني منذ زمن بعيد! وربما لأنني أقول لك ما لا تريد أن تسمعه، فأذكّرك بنفسك!
يكتب: لكنّ نفسي تسايرني أحياناً، وتدللنّي أحياناً أخرى كطفل صغير، وأنت لا تسايرين ولا تساومين، ولا تتنازلين حتى عن أخطائك...كما أنّ عاماً واحداً من التواصل عبر الأثير ليس بزمن طويل...
تجيب: أحياناً، يكفي عام واحد فقط، في الوقت الذي قد لا تكفي فيه عشرة أعوام كاملة...
يكتب: تراك حكيمة هكذا خارج الكلمات؟
.
.
.
.
يكتب: أجابني صمتك!
يكتب: هل نلتقي يوماً؟
تجيب: ونفسد الذي بيننا؟
يجيب: أضحكتني! ربما تكونين على حقّ..لكنّ من يدري، ربما...
تكتب: "ربما" أصل الخسائر جميعها...
يكتب: وأصل أجمل الانتصارات!
تكتب: من خسر كثيراً، يتخلّى عن رغبته في الانتصار، هو فقط لا يريد أن يخسر مجدّداً...
يكتب: ذلك منطق أحمق!
تكتب: "ربما" هو كذلك...لكنّ أليس من الحماقة أيضاً أن نعيد اقتراف أخطائنا ذاتها المرة تلو الأخرى؟؟؟ أليست قلة إيمان أن نلدغ من الجحر ذاته مرات عدة، فلا نكفّ عن دسّ أيدينا فيه المرة تلو الأخرى باحثين عن كنز ليس موجوداً فيه..
يكتب: بل هو موجود فيه، لكن، تقول الرواية، يحرسه ثعبان برؤؤس ثلاثة، لا يغفو، ولا يتعب، ولا يملّ من الانتظار، لكنّ عنكبوتاً صغيراً ملوّناً بالأصفر والأحمر، نادر الوجود، لكنّه موجود، يستطيع أن يقتله بعضّة صغيرة!
تضحك، تضحك كثيراً...
يكتب: أنت تضحكين J
تكتب: وما أدراك أنني أضحك؟ وهذا العنكبوت الصغير الملوّن بالأصفر والأحمر معاً، أين نجده؟
يكتب: لأنني لو كنت على الجهة الأخرى، مكانك، لضحكت! أمّا العنكبوت، هو من يجدنا، ولا يجده أحد ولو بحث كلّ غابات العالم وصحاريه...لذلك علينا أن نمدّ يدنا في كل جحر يصادفنا، دون تردّد، فمن يدري أيّ وقت سيكون فيه العنكبوت الصغير هناك منتشياً بنصره بعد أن عضّ الأفعى فسقطت رؤوسها الثلاث...
تكتب: مللت الخيال المجنون، وأريد لو أحيا في الواقع...
يكتب: صديقتي، أنت حالة ميؤوس منها، والواقع أنّ الواقع لن يستقبلك يوماً على شرفته..
تكتب: حتى المحارب يحظى باستراحة من جراحه..والجميع في النهاية يسبح مع التيّار، أعيب أن أكون واحدة من الجميع؟
يكتب: لا عيب على الإطلاق، بل تلك سنّة الحياة التي تنطبق على المعظم، إلا أنّك تنتمين لنوع آخر من البشر، مبرمج جينياً على السباحة عكس التيار وفي غير ذلك لا يتحقق الهدف من خلقه ووجوده..تماماً كأسماك السلمون..
تكتب: وما قصة أسماك السلمون؟
يكتب: السلمون سمكة مدهشة، تولد في أعلى الأنهار، ثم ترحل مع النهر إلى البحر، حيث تنمو وتكبر ويشتدّ ساعدها، ويحين أوان وضع بيوضها، فتدير وجهها عن البحر، وتشحذ همتها، وطاقتها الكامنة التي خزّنتها عاماً بعد عام من حياتها، وتبدأ رحلة العودة إلى حيث ولدت، سابحة عكس التيار، في رحلة شاقة، قدرية، لا يتحقق معنى وجودها دونها، تهديها رائحة علقت بذاكرتها منذ لحظة خروجها من بيوضها، رائحة لم تفارقها يوماً ولا ساعة، وظلّت تشتدّ مع مرور الزمن حتى سيطرت على كلّ إرادتها، فجذبتها إليها رغم كلّ الخطورة الكامنة في رحلتها تلك...
تكتب: أأنا إذن سمكة سلمون؟!
يكتب: وأنا البحر الذي تديرين وجهك عنه...
تكتب: وهل تعيش أسماك السلمون تلك في سلام وسعادة إلى الأبد بعد انتهاء رحلتها تلك؟
يجيب: بل تموت يا عزيزتي..تضع بيوضها أعلى النهر، ثم تموت..
.
.
.
يكتب: ألا تزالين هنا؟
يكتب: أنت لا تصّدقين الهراء الذي أكتبه، أليس كذلك؟
تكتب: عذراً، عليّ أن أذهب...
يكتب: إلى أين؟
تكتب: ألا تشمّ الرائحة؟؟
يكتب: أيّ رائحة؟
تكتب: الرائحة التي تسكن أعلى النهر..على رحلة العودة تلك أن تبدأ...
وذهبت...

توما
16-7-2011
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق