أهرب إليك..منّي و منه...
منه..ومنّي..ومن الآخرين جميعاً...
أهرب إلى نفسي..فيك...
قطة صغيرة مشرّدة، بفراء متسّخ وبطن خاو..
أتسلق أسوارك الحجرية المتهدمة،
أصعد أدراجك لاهثة، درجتين درجتين في آن معاً..
تنتظرني غيوم طرية أعلى جبالك وشمس ساطعة،
وشرفات عتيقة تقدّم الحبّ والأحلام مجاناً
لمن أراد أن يذوق ويشرب...
هناك..في الأعلى..
يصير الحديث مع الربّ أكثر يسراً وانفتاحاً وبساطة،
والجدال والخصام والعتاب أيضاً..
وتصبح خيبتي بعيدة عني، عميقاً في القاع أكاد لا أراها!
أخبىء وجهي في حضن أفقك، وأبكي!
وتبتلع وجنتايّ دموعي سيلاً سيلاً،
ولا أخجل ولا أندم ولا على قطرة واحدة!
طفلة ساذجة أضاعت طريق بيتها،
أقف مذعورة، أشدّ طرف ثوبك،
فتلتفتين نحوي، وتمسحين وجهي
بشيء من نورك، من سحرك، من دفئك،
وتمدّين نحوي قطعة من خبزك الساخن،
تصبّين لي فنجاناً من قهوتك،
فأجد نفسي فجأة في البيت،
أحاور الياسمينة الممتدة على السور،
وأشمّ الليمون، وأدندن أغنية
كانت أمي تهدهدها لي كي أنام..
أدندل قدميّ من أعلى حافة ما،
وأمعن النظر في الأفق،
أحاول أن لا أبحث عنك،
وكالعادة لا أنجح..
أعلم جيّداً أنّ الوجه المرتسم فوق الشمس
ليس وجهك، وأنّ الصوت الذي يناديني من الأعلى
ليس صوتك...وأنّ الذراع الملتّف حولي في النهاية
ليس سوى ذراعي، يخدعني
كي أتوقف عن الشجن، وعن اجترار الذكرى..
أخرج من حقيبتي قلمي الحبر الجاف الأخضر،
أكتب على وجه السماء..
لم أكن سوى قصة أخرى،
مغامرة على الهامش،
ولم تكن سوى قصة أخرى، أيضاً،
أخترعها، أزيد تفاصيلها رونقاً،
أضفي عليها الكثير من الغموض،
والكثير من الجمال، وأمحو ما لا أريد...
لم يكن وجهك، سوى خيالاً أنا رسمته في الهواء،
ثم ألصقت تقاسيمه فوق وجهك..
زدت على طولك طولاً، وعلى عمقك عمقاً...
وضعت الكلمات على فمك، والإيماءات على وجهك ويديك،
نفخت ألقاً في عينيك، واحترقت بشرارة أنا أشعلتها في داخلك!
لم تكن سوى قصة أخرى، كتبت أنا تفاصيلها،
إلى أن تمرّدت القصة على كاتبها،
فكتبته..على طريقتها، واختارت له نهاية لا يريدها وتريده...
أرمي قلمي الأخضر الجاف في قاعك،
وأنزل أدراجك مسرعة، درجتين درجتين في آن،
أفرغ جيوبي من أحرفها على جانبيّ الطريق،
تكبر شوكاً على أحجارك، وتكبر زهراً
يمدّ أعناقه الصغيرة إلى الأعلى، شيئاً فشيئاً...
توما
5-6-2011
❤❤❤
ردحذف