الاثنين، 14 فبراير 2011

...عذراً...



تقول لي: منذ زمن لم تكتبي شيئاً من هلوساتك المعتادة...
أخبىء يدايّ في جيبي قميصي، أخاف أن تقرأ حروف اسمك على أطراف أناملي....
أخبىء عينايّ في سماء مجاورة، عساك لا ترى أنّي أكتب كلّ يوم، كلّ ليلة،
أكتب عنك، إليك...وأشكو نفسي لنفسي، ولا أشكوك لأحد...

أقفز داخل فقاعتي الخيالية الشفّافة، أتظاهر أنّي لا أرى ولا أسمع أحداً، وأنّ أحداً لا يراني ولا يسمعني أحاور ظلّك..وأغرق في مناقشات حامية الوطيس عن كلّ شيء، أكشّر عن أنيابي، أخدش وجهك، كي تحسّ بأي شيء و لو بالألم..وللحظة يصيبني الفرح، لتلبّد سمائك المشرقة دوماً حتى الملل بشيء من الغيوم، وأصّلي علّ المطر يسقط ويبللّنا بطيشه، ويفسد أناقة ملابسنا وأناقة حديثنا، ويذيب سكر اغترابنا، فتجمعنا مرارة اللقاء، وتقلق موتنا ونومنا الطوعيّ في كفن استقرار أبيض يضمن السلام والهدوء للجميع...

تأتي وتفقؤ فقاعتي بدبلوماسيتك المعتادة، وتنجح في إبقاء الابتسامة على وجهي رغم ذلك..لطالما كنت سيداً مهذبّاً، ولطالما تمنيّت لو أنّك كنت أقلّ تهذيباً!
أتعلّم قواعد دبلوماسيتك، وأحاول أن أكون مثلك أكثر تهذيباً، أكثر هدوءاً، أقلّ تفاعلاً مع الفصول الأربعة والأعاصير العابرة والزلازل وانهيارات الطبيعة العصبية الأخرى أو مهرجانات احتفالاتها الموسمية، أقلّ اخضراراً واحمراراً وزرقة، وأكثر اصفراراً ورمادية ربما، أنظر في المرآة، ترفض المرآة عكس صورتي لشدة قباحتها، فأخضّر وأحمّر وأزرقّ مجدّداً، وأضرب المرآة بقبضتي، فتنكسر وتسقط شظاياها على قدميّ!

لا سلام بعد اليوم، لا طمأنينة ولا هدوء...عذراً، قد مللت الصمت!
عذراً، قد ملّني الصمت أيضاً..وملّك!
لا بأس إن ترحل، لا بأس..تتسّع مساحة أحلامي، يتكاثر الوقت في أيامي المهرولة نحو نهايتها كلّ يوم، تزداد الاحتمالات لبدايات جديدة أقلّ عبئاً وثقلاً من بداية علقت داخل نفسها ولم تجرؤ على الخروج من قوقعتها كيلا تحترق تحت الشمس!
تغسل الحياة وجهها من غبار الكلمات الروتينية واللقاءات الروتينية والقبل الروتينية وروتين المشاريع التي تبقى دوماً معلّقة على أحبال السماء حتى تجفّ ثم نطويها بعناية كأي غسيل نظيف برائحة طيّبة ونعيدها إلى الرفوف الخشبية التي هربت منها...

ارحل، لا بأس إن ترحل..سأوصلك إلى ميناء وداعنا، سأحمل معك حقائبك، ثم سنرميها سويةً حقيبةً حقيبةً في البحر، حيث يليق بالذكريات أن تلقى حتفها، وأحضنك كما يفعل الأصدقاء، ثم أراقبك وأنت تبتعد على ظهر قارب ورقيّ صنعته خصيصاً لك، وأنت تصغر شيئاً فشيئاً، حتى تصطدم بجدار الأفق وتبقى معلّقاً هناك، كنجمة حمراء، أبحث عنها كلّ مساء، لأتأكدّ مئة بالمئة من رحيلك!

لا، لا أريدك أن تكون سوى أنت، لا أريدك أن تكون سوى نفسك، نفسك كما تريدها، ولا أريدني أن أكون سوى نفسي، ولا أجيد أن أكون سواها، لضعف وراثيّ في القدرة على التقليد ولملل فطريّ من حرفة المحاكاة، فلا تفكرّ مطوّلاً بتفاصيل ما حدث، ولا تقف على الأطلال كما يفعل الشعراء، فلست بشاعر على كلّ حال، ولا تلجأ لأساليبك الدبلوماسية لتحافظ على شيء مما تبقى، أيّ ضوء خافت يعكسه قمر تكسرّ إلى أجزاء؟
دعني أفوز بهزيمتي طوعاً، ودعني أثمل هذا المساء نخب نهاية جديدة أكتبها كما في كلّ مرة كما أحبّ بنفسي وأنا في كامل درجة وعيي، وحزني وفرحي في آن معاً!

توما

15-2-2011
3:13am



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق