أعترف أنني لا زلت أنتمي لتلك الفئة الساذجة التي تصيبها الدهشة كلما سقط المطر،
وأنني أعجز عن مقاومة همسه الناعم من وراء نافذتي...
أعترف أنني أشتهيه بكلّ حواسي، ولا أترددّ من الارتماء في أحضانه بكلّ علانية، وممارسة الحبّ بكلّ وضعياته وكلّ أشكاله مع كلّ قطرة تنزلق فوق جسدي بلذّة فاضحة!
أعترف بكلّ شجاعة أنني أصل حدود البلاهة وأنا أغرق في بلله الجميل، أنني أشهد لحظة خلقي من جديد خلية خلية، عضواً عضواً، شرارة شرارة، فيصيبني الذهول وتملأني الحياة مجدداً كأساً كأساً، لحناً لحناً، خطيئة خطيئة...
*****************************************************
أعترف أنني لا زلت كما كنت في البدء أتخبطّ بين ما تخترعه الحياة لي وما يخترعه خيالي، وأنني أعجز عن تمييز الحقيقيّ بينهما، أو ربما أخشى الإيمان بأحدهما فأخسر الآخر...
أعترف أنني جبانة جداً، هشّة جداً، رغم كلّ الشجاعة وكلّ الصّلابة التي أختبىء وراءها، وأنني تحت كلّ أثواب اللامبالاة، أخفي جسداً يحترق، ووراء الجدران الباردة تركض روحي في البراري وترتعد صهيلاً وزئيراً....
*****************************************************
أعترف أنني لا أملك الجرأة على الاعتراف بأنني أتجاهل تسارع قلبي المفاجىء ثم تباطؤه المفاجىء ثم سكونه التام لبضع لحظات في اللحظات القليلة التي أشكّ فيها بأنّي أحبكّ حقاً أو أريدك حقاً أو أملّك أو أشتهيك أو أمقتك أو أشتاقك أو أستطيع طرد رائحتك من المركز المسؤول عن الروائح في عقلي، أو طرد أوهام غضبي عليك وراء أسوار كلّ الخلايا في جسدي!
أعترف أنني لا أملك الجرأة على الاعتراف بأنني غير قادرة على مجابهة فكرة صغيرة كهذه، ولا على التصدّي للنتائج الإيجابية أو السلبية لعواقب مجرد التفكير في ذلك!
لكنني أعترف أن الجهل في هذه الحالة بالذات ممتع أكثر، ومغر مع تعددّ الاحتمالات!
******************************************************
أعترف أن البسمات البليدة التي تتمطّى فوق شفتيّ قططاً سمينة كسولة، البسمات التي أوزّعها عليكم لما أراكم، والقبل البلاستيكية المحشوة فراغاً التي أحرق بها وجناتكم، والنظرات المركزّة الثاقبة الجامدة في عمق عيونكم كأنّها حقاً لا ترى سواكم..لا تراكم..ولا تسمع الكلمات المنهمرة من شفاهكم، ولا تستسيغ طعم الفرح أو طعم الحزن أو طعم الحقد أو طعم الغضب أو طعم الحماسة في تفاصيل نميمتكم....
فرجاء وفرّوا طاقات ألسنتكم الفريدة لمن يمنحكم بسمات وقبلات ونظرات وآذان صادقة، وارحموني!
*****************************************************
أعترف أنني لم أدع لنفسي مجالاً للانجراف بأفكارها عميقاً هذا العام، وأنني ممتنة جداً لها على الطاعة التي أبدتها كيلا نفقد أنا وهي اتزاننا، وصورتنا الاجتماعية العاقلة التي يحتذى بها، وملل الساعات والأيام الذي يبقيها تحت سيطرتنا...
وأعترف أنني لم أنجز شيئاً تقريباً من قائمة الأهداف التي كنت قد وضعتها، لم أقم سوى بالحدّ الأدنى من كلّ المغامرات المجنونة التي أردت القيام بها، لم أفقد سوى ذرة غبار من الكيلوغرامات الزائدة التي يحملها عمودي الفقاريّ بكلّ صبر وحبّ، لم أتخلّى عن أيّ من عاداتي في تضييع الوقت، لم أصبح أكثر تصميماً ولا أكثر قوة أو أكثر إبداعاً أو تميّزاً أوعلماً_على الأقل ليس بالدرجة التي أردتها!
ولم أنجح في التعثرّ بصدفة عابرة توقعني في الحبّ رغماً عني، أو تسلبني كلّ رغبة في المقاومة حقاً...
****************************************************
أعترف أنني تعلمت شيئاً واحداً عن نفسي هذا العام، أنني أستطيع أن أنجو، رغم كلّ شيء، وأنني قادرة على الاستمرار رغم كلّ شيء، وأنّ لا معنى لخططنا في نهاية الأمر، لأن الحياة تحدث رغماً عنا، بالطريقة التي تختارها هي، دون أن تتوقف لتسألنا إن كان حدوثها بطريقة معينةأو ترتيب معين يناسبنا أو يتوافق مع خططنا..وأننا في منتصف هذا الطوفان لا نملك سوى أن نتعلّم مجاراته، ونخبىء في غفلته أحلامنا، ونستمر في المحاولة والمقاومة إلى أن يتعب ويهدأ ويمنحنا هدنة مباركة نستجمع فيها قوانا، وننظر فيها إلى وجوهنا فنرى ما تغيّر من معالمنا، ونتعرّف إلى أنفسنا من جديد، نحبّ أشياء فيها، ونكره أشياء أخرى، نتشاجر، نتعانق، نتناقش، يعلو صوتنا، نهدأ ونتصالح على فنجان قهوة، ثم نصنع خططاً جديدة ونضعها زوارق صغيرة على وجه الماء، ونصّلي أن تأخذها الريح إلى ميناء ما، إلى أفق ما، إلى بداية جديدة...
*****************************************************
وأعترف أنني اليوم أقف بجيوب مملوءة بالأحلام والأصداف الفارغة إلا من ترانيم البحر، بلا أهداف ولا خطط على الورق أو سطور الذاكرة، بلا قوائم طويلة ولا مشاريع على الصعيد الشخصيّ أو العمليّ أو الإقليميّ أو العالميّ، بلا التزامات، ولا توقعات...
أقف في المربع الأخير من الصفحة الأخيرة في روزناماتي السنوية، وألوّح للساعات القليلة المتبقية المنسحبة واحدة تلو الأخرى، كمركبات قطار صغيرة متلاحقة، أودّعها بفرح عارم لا يليق بتقاليد الوداع، بشغف يكسر وقاره وصخب طفوليّ لا يأبه بهيبته!
لكنني في الوقت ذاته، سأنسحب بسرعة خاطفة من مسرح الحدث، في اللحظة التي تفصل رحيل المركبة الأخيرة من وصول قطار قادم، لن أنتظر وجهاً أجهله بحميمية مصطنعة، لن أقفز فرحاً للقادم الغامض، ولن أثمل بزجاجات الأمل...
*****************************************************
غداً يوم آخر فقط، أذكر أنني قلت الشيء ذاته قبل عام تماماً من هذا اليوم!
غداً يوم آخر فقط، لكننّي من أجلكم أرجو أن يكون يوماً أفضل من كلّ الأيام التي مضت....
ومن أجلي أعترف أنني وإن لم أكن مصابة بأمل لا يشفى، ولا مصابة بيأس لا أمل منه، فأنا مصابة بإدمان لا يهدأ ولا يستكين، إدمان على الحياة، والحبّ والحلم...
توما
31-12-2010
ممممم من ناحية الكتابة ... اسلوبك اكتر من رائع وبجد بحب تعبراتك الي بتعترض داخل الجملة وبتعطيها نكهة خاصه
ردحذفبس مش عارف اتقبل بعض الافكار او استسيغها
كل سنة وانتي سالمة توما
حقك تتقبل الأفكار أو ترفضها، أصلاً النص الجيد برأيي هو إللي بخلق جوانا صراع من نوع ما :)
ردحذفكل سنة وإنت سالم :)