الجمعة، 24 ديسمبر 2010

كلّ ما في الأمر...





كلّ ما في الأمر يا سيدي أني أكره أنصاف الحقائق أكثر من أكذب الكذب، وأنني لا أرضى بأنصاف الحلول حلاً لحالة ضياع علقت فيها، أو حتى خسارة مريرة على القلب أو الروح أو الجسد...

كلّ ما في الأمر أنّني لا أساوم على حساب كرامتي، ولا يرضيني الفتات الذي ترميه لغيري فيأتيك متملقّاً جاراً أذيال بشاعته وقذارته وراءه بكلّ اندفاع وفرح!

 كلّ ما في الأمر، أنّني أفضّل صقيع هجرك أكثر من صقيع حضورك، ولا تغريني فكرة المحافظة على صورتنا الاجتماعية، ولا تعنيني بشيء آراء الآخرين فيما كان يوماً يخصّنا وحدنا...

فلا تتظاهر بأنّ شيئاً ما لم يحدث، أنّ شيئاً ما لم يتغيّر...
لا تتظاهر بأنّني لك كما كنت لك دوماً، وأنّك لي كما كنت لي يوماً...
لا تغرق في هدوئك أكثر، لا تختبىء خلف صمتك متظاهراً برزانة عقلك الراشد الواعي الذي يجاري خيالات طفلة صغيرة عنيدة لا بد ّ في النهاية أن تلين بقبلة على الجبين، وضمّة ووعود عابرة ستنساها كما تنسى فطور الصباح أو عشاء البارحة!

أرني غضبك أمواجاً تتكسرّ على جبهتك،
أرني حزنك شمعاً يذوي في بؤبؤيك...
أرني خيبتك، لوعتك،
أسمعني صوتك يعلو استنكاراً، يجادلني،
يبادلني الاتهامات أو يردّ اتهامتي...

متى صرت رماداً، لا يضيء ولا يشتعل؟
قل لي متى صرت هذه الجثة الأنيقة التي كانت يوماً تضجّ بالعشق والحياة؟
ليتني أذكر، كيف مت في غفلتي؟ ليتني أذكر، متى وأين وكيف ولماذا؟

تقول لي...كفى عتاباً...ثم تعود لصمتك..
أصرخ أكثر، أصرخ أعلى، أودّ أن أيقظك،
أنّ أشعل ناراً في صدرك ثم أرتمي فيها لأستدفىء...
ولا تشتعل في النهاية سوى فوهات سجائرنا،
وحرائق خيبتي...

ارحل سيدي، ارحل...
اخرج من كلّ صفحة بيضاء تخبئك خلف سطورها...
من كلّ مشروع خطيئة لم يكتمل بعد في خيالي،
من كلّ الخطط الصغيرة التي أجلّناها لمستقبل لن يجمعنا سوياً،
من أوقات يومي، وروزنامة تواريخي...
ارحل، ولا تلتفت خلفك،
لا تلّوح بيدك مودّعاً كما يفعل الغرباء للغرباء،
ولا تخف من ألم في القلب أو نخزة في خاصرة ضميرك،
فما مات قد مات،
قريباً لن يبقى في ألبوم الذكريات سوى خيالات مبهمة،
ربما ظلّ وجه تألفه، شال كنت قد أهديته يوماً لأحد ما،
أغنية تترددّ على لسانك دون أن تذكر حقّاً من غنّاها لك يوماً،
رائحة تثير فيك رغبة علانية في الحبّ لا يصعب عليك تدريبها على الصمت،
عبارات تستوقفك كأنّها خرجت من حلم الليلة الماضية،
ابتسامة تعديك ببهجتها فتجعلك لسبب غير مفهوم تبتسم...
مصادفات كانّها حدثت من قبل بذات الصيغة والشكل واللون،
وكأنّك كنت منذ زمن بعيد تنتظرها لتتطّفل على حياتك،
وتعيق سيرها الممل البطيء، تبعث فيها الفوضى والشهوة والألم
والحبّ والنشوة والبهجة بلا سبب...

كلّ ما في الأمر يا سيدي، أنّ الحديث مع نفسي بات شيّقاً
أكثر من الحديث معك...
أنّ جسد الفراغ في فراشنا بات أدفأ من جسدك...
أنّك نسيت لغتنا السرية بعد أن نسيت أنا اللغة الرسمية العامة،
وأنّي مللت من التظاهر بأنّ ما كان لا بدّ يوماً أن يعود،
وسئمت من الكذب على صورتي في المرآة،
والتحايل على ساعات اليوم الأربع والعشرين كلّ يوم كلّ يوم...

ربما، ربما لو افترقنا، تسكننا الحياة مجددّاً بصخبها وجنونها،
ونلتقي مجددّاً كغريبين يتبادلان ابتسامات بلا معنى ومعنى،
ويقضمان الليل على مهل حتى الصباح كصديقين قديمين
أو حبيبين لا يريدان لتلك الليلة أن تنتهي...

توما




هناك تعليقان (2):

  1. بديش احكيلك انو اسلوبك حلوة , وانو تعبيراتك الي يتستخدميها قوية , وانو مبين عليكي من قراء محمود درويش وانا عجبتيني كتتير بس بدي اقلك اشي واحد


    ناااااااااااااااه ما عجبتنيش ( بس عشان الغيرة والحسد عشان ما بعرف اكتب زيك :P)

    ردحذف
  2. قط البكتيريا، شكراً على الإثنين، إعجابك وعدم إعجابك :)

    ردحذف