دبيب الحنين البارد على أناملي، وصوت ناي يستضيفان
المساء الغريب على شرفتي، يصّبان له النبيذ ويشويان الكستناء فوق حرائق قلبي.
لا أفكّر فيك، أفكّر بعدد الجثث التي تركتها مجزرة صمتك
في الساعات الإحدى والعشرين منذ جلسنا للتفاوض على الحدود الفاصلة بين جسدي وجسدك،
واتفقنا أنّك تحتلني كلّي ولا تترك لي فراغاً لأتنفس كلما التحمنا في عناق أو تبارزنا
في قبلة، وأنّ علينا أن نعدّل شكل العلاقة بيننا من حالة احتلال إلى حالة اتحاد،
واختلفنا على شكل الاتحاد أيكون فيدرالياً أم كونفدرالياً، ثم اتفقنا مجدّداً أننا
نبغض السياسة وأنّ مشكلة الحدود بيننا وهمية ..
لا يشغلني انشغالك عنّي، ولو كان بحروف جديدة أو قديمة
تتصّل وتنفصل على شفتيك...
يشغلني إنشغالي بك كلغز أو لعبة سودوكو استعصى عليّ حلّها!
منذ البدء كنت أعرف أنّك لست باق، ومنذ البدء كنت سعيدة بمرورك
العابر ورحيلك الأكيد.
فلماذا إذن ينتابني الآن كل هذا الحزن؟
ليس حزناً بالضبط..حالة انطفاء ربما، أو ربما لفحة موت.
الأمر فقط أنّ عقلي لا يكفّ عن طرح الأسئلة الغبية، تلك
التي كانت تفسد مزاجك أحياناً، وأحياناً أخرى تضحكك، وتجعلك تضع إصبعك على فمي، فأبوس
أنا إصبعك..
كيف أضع حدّاً للتساؤلات، وحدّاً للغابات التي تكاثرت
وتشعبّت وامتدت فوق جلدي الصحراوي القاحل؟
***********************
"متى تكبرين يا صغيرة، وتكفّين عن ملاحقة الطائرات
الورقية والغزلان في النصوص الشعرية والفراشات الحائرة بين الزنبق والنرجس؟"
"أرأيت فراشة يوماً تعلن وفاءها لزهرة، ويتبادلان
النذور، ثم يموتان سوية في الريح؟"
"متى تكبرين؟"
**********************
كان خطأ بسيطاً إذ ظننت أنّي فهمت "الكلمة الغريبة"
عليّ في سياق النصّ، كعادتي!
في الحبّ، علينا دائماً استعمال القاموس، وقراءة المعنى
واضحاً مباشراً، ومن ثم قراءة الأمثلة التوضيحية، قبل استخدام المعنى في جملة
بلاغية مفيدة، كي لا يلتبس المجاز بمجازه.
أهذا إذن درسك الأخير لي؟
ألم يزل هناك الكثير لأتعلمه بعد؟
الكثير من الخيبات، والأفراح الصغيرة، والأغنيات، ووصفات
الطعام الغريبة؟
*********************
سيظلّ طعمك حلواً في فمي ولو كانت مرّة جملة
"الإنبوكس" الأخيرة!
أخرجت أجمل ما فييّ،
ولكنّي أخرجت أجمل ما فيك أيضاً،
فانظر جيّداً في مرآتك هذا المساء...
لا..لا أحبّك أيضاً..
توما
23-2-2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق