تتصل بي في الصّباح الباكر، لم أسمع صوتها منذ أكثر من ستة أشهر، وقت اتصلت بي لتخبرني بصوت مليء بالحزن والخوف أنّها حامل!
أذكر كم صعقت يومها لوقع الخبر، واحترت بما أنصحها، هي التي كانت تصمت طويلاً بين الكلمة والأخرى منتظرة أن أرمي لها حبل نجاة ما.
كنت مقتنعة بيني وبين نفسي، أنّ حملها لن يصمد طويلاً، وأنّه في حال صمد، لن يجلب السعادة لقلبها بنتيجته.
تناقشنا حينها بإمكانية الإجهاض، وغصنا في القوانين المتعلّقة بجوازه ومشروعيته، المكبّلة بالاعتقادات الدينية والأعراف الاجتماعية إلى أقصى الحدود، والتي في الوقت نفسه يمكن التلاعب بها أحياناً ، ويتم تجاوزها في بعض القطاعات الطبية بطرق غير قانونية.*
ثم تناقشنا بالاحتمالات الممكنة في حال استمر الحمل، الحمل الذي أثبت لي تماماً "خفة دمّ" القدر!
قالت لي وقتها، محاولة التغلّب على أساها بضحكة سرقتها من ماض بعيد:
"دكتورة حسيتك مصدومة أكتر مني..عادي، خدي الأمور ببساطة، ما بتصير هاي الشغلات إلّا معي!"
وضحكت حينها حيرة، وقهراً، وتعجّباً!
*****************************************
ثمة ما هو قادر على هزمنا مهما ظننا أنّا انتصرنا...
لكن، مبارك من كلمّا لوى القدر ذراعه، حدّق في عيني القدر، وابتسم!
*****************************************
"إجت (هبة).."،
قالت..
لا لم تقل، كانت تغنّي!
"(صاغ سليم)" أضافت،
أظنّ أنّي سمعت زغاريد فرح أيضاً قادمة من مكان ما بعيد خلف صوتها،
زغاريد فرح من أعماق الروح!
(هبّة) التي نما برعمها في شجرة حبّ، قبل تسعة أشهر، رغم جلسات العلاج الكيماوي التي كانت تتلّقاها أمّها الأربعينية، ورغم الشعر المتساقط، والثدي المبتور، والتقلّبات المزاجيّة، والليالي الساهرة قلقاً على محصول آخر من الأبناء والبنات، وفرض الاحتمالات، وسطوة الشعور بالظلم و القهر، وعصف ريح الموت بين ما تبقّى من الخصلات، همس الغياب في الأذن اليمنى، ودبيب الفراغ الثقيل في اليسرى، وتكسّر الأظافر المتشبثة بصدر البقاء.."إجت (صاغ سليم)!"...
أهلاً (هبّة)...
وجهاً جديداً للمستحيل، وجهاً أجمل للمستقبل...
توما
14-4-2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق