أفكر أيّ جريمة ارتكبت، أيّ خطية مميتة تلك التي لم أتوانى عن اقترافها، أيّ حدود مقدسة خرقتها في حالة لا وعي عابرة!
أبحث في حقيبتي عن ممحاة بحجم خيبتي، عن قلم أخربش به فوق حماقتي فأخفيها..لكنّ شيئاً لا يشفع لي ليزيل العلامة السوداء التي رسمها ملاك يجلس فوق كتفي الأيسر مذ ولدت، ويتابع بشغف سلسلة خطاياي التي لا تنتهي...أيّ ملاك أحمق، يترك السماء ليفني حياته مراقباً لعثرات الآخرين المملّة...
أرسب في امتحاناتك كلّها، وأخبىء شهادتي وراء ظهري بذعر وخجل كطفلة في الصفّ الرابع، كم أخاف أن تسقط سهواً من يدي، كم أخاف أن تلمحها عيون كثيرة تنتظر منذ الأزل نتائجي المدرسية...
أعلم أني أحمل ورقة طردي إلى الأبد خارج أسوار عدنك، وأنني أطرد وحدي بلا رفيق أستند عليه في غربتي، بلا قربة ماء تروي شيئاً من ظمأ لا ينتهي، ولا يتوانى عن الاشتعال أكثر وأكثر، بلا ورقة توت تخفي عريي الفاضح، وبلا آيات ترشد خطوي وتخدعني بطمأنينة زائفة تحت هذه السماء المثقوبة...
أرحل بصّرة مليئة بالذكريات، ألقيها وراء ظهري فينحني من ثقلها، لكنّه يختار المضي قدماً نحو شرق آلامه، ويكتفي بأنين خافت، وعضّة على الشفة السفلى، وحمّى تجلد منتصفه سوطاً سوطاً...
أيّ كبش فداء يزيح الإثم عنّي، أيّ كفّارة تلغي ما صنعت؟ وأيّ عينين قد تقبلان توبتي؟
ألتفت يمنة ويسرة، لا شيء سوى كثبان رمل صفراء تحرق عينيّ في كلّ مكان، وعواصف غبار وفراغ لا ينتهي...
وكأيّ عاقل يركض قلبي في كلّ الاتجاهات بحثاً عن واحة تقتل قسوة الصحراء، قسوة المنفى، لكنّ قلبي يلتصق بقدميّ، وقدميّ تلتصقان بلهيب الرمل تحتهما ويعلنون إضرابهم المفتوح عن الحركة والحياة حتى أجل غير مسمّى...بلا مطالبات، ولا شعارات، ولا حتى أهداف واضحة، يعتصمون تحت الشمس، علّ الشمس تكون ربّاً أكثر عدلاً، فتختار لهم عقاباً أشدّ وطئاً وأقلّ رحمة من عقاب الصمت، فيتبررّون من إثمهم...
أفكرّ..قد يمرّ بدويّ من هنا، فيلقي عباءته على كتفيّ، ثم يحملني فوق جمله، إلى خيمته الواسعة، حيث تصنع امرأته لبناً، فيسقيني، ويمدّ لي فراشاً، فأطفىء النجوم في السماء كي أغفو قليلاً، أغفو بلا أحلام، بلا كوابيس، وبلا قلق لا يهدأ عويله ولا يصمت طنينه في أذنيّ...لكنّ أحداً لا يمرّ، أو يلقي السلام، مجرد سراب يمرّ وراء سراب...
لست خطيئتي الأولى، لكنّي أرجو أنّ تكون خطيئتي الأخيرة، فحجرات قلبي هرمت، والشيب غطّى سقفها، وما عاد النبض أغنية، ولا دفق الدم رقصاً...
لست خطيئتي الأولى، لكنّك خطيئتي الأجمل...وللخطايا فضائل أيضاً...وفضائلك أحفظها آية آية وتميمة تميمة في مسبحة لن ينفرط عقدها يوماً في كفّي...
فإن يوماً لان غضبك، وإن يوماً طاب جرحك، فاغفر لقلب تسلّق جدران قلبك فزلّت قدمه وسقط سهواً فضوله الطفوليّ، واعذر جنوناً يصيبه بين الحين والآخر، وإن مرّ يوماً على بالك..لا تهرب من الذكرى، واشرب لأجل كلّ مرة أضاعك فيها فنجان قهوة مرّة بلا إضافات، بلا مجاملات، بلا كذب...
كم أحبّ أن أصدّق أنّك الآن تبتسم، وأنّك رغم كبريائك تهرب من عينيك ولو دمعتين، فقط دمعتين، ونجمة...
توما
4-4-2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق