على
ورقة بيضاء أرسم الخريطة بين بيتي وبيتك، ثم أمحو المسافة بينهما، أصير جارتك
الجديدة، ألقي عليك تحية الصباح، أتعمد أن أصادفك على باب البناية، وأن أشاركك
المصعد لدقيقتين أو ثلاث في النهار..أمي تعلّق صورة العذراء على باب بيتنا، وباب
بيتك المقابل بلا انتماءات، صامت في خشبه، يتعبّد لما لا يراه.
أراقبك
من عين الباب الصغيرة، وأنت تفتح الباب لنسائك الجميلات، كلّ أهل البناية يتحدثون
عنك، يقولون أنك رجل لعوب، وأنك تخلّ بالأجواء الشريفة في البناية. الرجال يغارون
منك في سرّهم، والنساء يستهويهن مجونك وسحرك. وحدي مصابة بالفضول، مسكونة بالتساؤل
عن سرّ الكلمات التي تفيض من تحت عتبة بابك بين الحين والحين، عن سرّ الحروف التي
تتعربش على نوافذ بيتك، موغلة في خضرتها، متباهية بزهرها الأبيض الصغير الصامد في
وجه الريح ووجه الشمس.
أجرّب
أن أصير طيفاً، خيالاً شفافاً لا يلمس ولا يرى، وأن أتسلّل عبر بابك، لأتلصّص فقط
على أناملك كيف تكتب، أيّ سحر أسود أو أبيض تمارس؟ ما طقوسها؟ شعائرها الغريبة؟ هل
ترقص عارية حول دخان سجائرك؟ هل تتعمّد أولاً بالدموع؟ هل تقدّم خيط دم من جروحها
الكثيرة قرباناً لإله الخصب؟ هل تثمل بكؤوس الشجن ثم تترنّح فوق السطور؟ هل تنتشي
حبّاً في طيف جسد لا أراه؟
ماذا
يحدث هناك خلف صمت الباب؟
أتقلّب
في سريري، وأنا أصغي لمطر موسيقى خفيف يرشّ وجهي، نافذتك مضاءة، والستائر مشرعة
لوجه القمر الفضيّ، ثمة آهة تصعد سلالم الروح على مهلها، وظلال تتأبط الأرصفة
وتراقصها.
أكوّر
الورقة البيضاء في يدي، أرميها في سلة المهملات، أضع شالاً على كتفي، وأمشي فوق
نشيد الروح إليك، أمي غافية في حضن حلم ما، وأنا أفكّر بالتسلّل إلى أحد أحلامك،أغلق
الباب خلفي، لا أصير طيفاً، ولا أرنّ جرساً، تمدّ العذراء يدها، وتفتح لي بابك،
تهمس لي: "أنزليه عن صليبه واغسليه، ضعي إصبعك في جرحه، قبلّيه، أحبيه ميتاً،
يحبك في قيامته..."
توما
9-3-2013